الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص199
ولأن تشاغل الولاة بالكتابة يقطعهم عن النظر المختص بهم ، وإذا كان كذلك فالقضاة ولاة لا يستغنون عن كتاب .
وصفة كاتب القاضي ما ذكره الشافعي من أوصافه وهي أربعة :
أحدها : العدالة : لأنه مؤتمن على إثبات الإقرار والبينات وتنفيذ الأحكام فافتقر إلى صفة من تثبت به الحقوق كالشهود .
والثاني : أن يكون عاقلا ، وليس يريد ما يتعلق به التكليف ، وإنما يريد أن يكون جزل الرأي ، سديد التحصيل ، حسن الفطنة حتى لا يخدع . أو يدلس عليه .
والثالث : أن يكون فقيها ، ليعلم صحة ما يكتب من فساده ، فإن لم يكن فقيها بالأحكام الشرعية لزم أن يكون فقيها بأحكام كتابته ، وما يختص بالشروط ، من المحاضر والسجلات ، واستعمال الألفاظ الموضوعة لها ، والتحرز من الألفاظ المحتملة ، ويختار أن يكون واضح الخط ، فصيح اللسان .
والرابع : أن يكون نزيها بعيدا من الطمع ليؤمن أن يرتشي فيحابى .
فإذا ظفر القاضي بمن تكاملت فيه هذه الأوصاف الأربعة وأرجو أن يظفر به جاز أن يستكتبه .
ولا يجوز أن يستكتب عبدا ، وإن أكملها ؛ لأن الحرية شرط في كمال العدالة .
ولا يجوز أن يستكتب ذميا وإن كان كافيا ؛ لأنهم خرجوا بفسقهم في الدين عن قبول قولهم فيه .
وقد قال الله تعالى : ( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) [ الممتحنة : 1 ] .
وقال : ( لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ) [ المائدة : 51 ] .
وروى الزهري عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ ما بعث الله من نبي ، ولا استخلف من خليفة ، إلا كان له بطانتان : بطانة تدعوه إلى الخير وتحضه عليه ، وبطانة تدعوه إلى الشر وتحضه عليه ، والمعصوم من عصمه الله ‘ .