الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص193
مختلف في حده وفسقه فأبو حنيفة لا يفسقه ولا يحده ، ومالك يفسقه ويحده ، والشافعي يحده ولا يفسقه فلم يجز أن يعتبر فيه إلا قول من ينفذ حكمه وهم الحكام دون الشهود .
وقد حكى الربيع عن الشافعي في كتاب الأم أن رجلا جرح شاهدا عند حاكم ، فقيل له لم جرحته ؟ قال : لأني رأيته يبول قائما ! قيل : ولم يصير فاسقا إذا بال قائما ؟ قال : ولأنه يرشش على ساقيه قيل : أفرأيته يرشش على ساقيه حين بال ؟ قال : لا .
فإذا جاز أن يجرح الشاهد بمثل هذا وليس بجرح لم يجز للحاكم أن يسمع منه الشهادة بالجرح ، حتى يصف له ما يصير به مجروحا .
ولأن كثيرا من المتعصبين في المذاهب يفسقون من خالفهم ، وإن لم يصر بالمخالفة فاسقا ، فلذلك وجب على الحاكم أن يستفسرهم عما صار به فاسقا .
فأما الجواب عن استدلاله بالخبر ، فقد عارضه ما ذكرنا فيسقطان فيحمل الستر فيما لم تدع إليه الحاجة ، والذكر فيما دعت إليه الحاجة .
وأما الجواب عن قوله : إنهم يصيرون قذفة فقد قدمناه فإن أصحاب المسائل لا يصيرون به قذفة وإن صار الجيران به قذفة لكن ليس لأصحاب المسائل أن يشهدوا عليهم بالقذف ، لأنهم قالوه بعد استخبارهم عنه .
وأما الجواب عن الاستدلال بأنهم لما لم يسألوا عن سبب العلم لم يسألوا عن سبب الفسق فهو أن سبب العلم به غير مختلف فيه ، فلم يسألوا عنه وسبب فسقهم مختلف فيه فوجب أن يسألوا عنه
فإذا ثبت أن الحاكم لا يسمع الشهادة بالجرح والتعديل حتى يسأل الشهود عن سبب الجرح والتعديل ، فيستوي سؤاله عن الشهادة بالتعديل وعن الشهادة بالجرح ؛ لأنه قد يجوز أن يعدل من ليس بعدل كما يجوز أن يجرح من ليس بمجروح ، فوجب على الحاكم أن يسأله عنهما جميعا .
ولا تسمع الشهادة بالتعديل إلا ممن تقدمت معرفته وطالت خبرته ولا يسمعها ممن قربت مدة معرفته لجواز التصنع في قريب المدة .
ويسمع الشهادة بالجرح ممن تقدمت معرفته وممن حدثت معرفته ؛ لأن الجرح بحدوث فعل قد يكون في قريب المدة كما يكون في بعيدها .
فإذا شهد الشهود بأسباب الجرح ، اجتهد الحاكم رأيه فيها فإذا صار بها مجروحا