الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص191
كمن شهد له شاهدان بنكاح امرأة ، وشهد عليه اثنان بطلاقها ، كانت شهادة الطلاق أولى ، لما تضمنها من إثبات ما نفي بغيرها .
فلو شهد بالجرح اثنان وشهد بالتعديل ثلاثة أو أكثر كانت بينة الجرح أولى ، وإن كانت بينة التعديل أكثر ، لما قدمناه من العلتين .
ولكن لو شهد اثنان بجرحه . في سنة أو بلد ، ثم شهد اثنان بتعديله في سنة بعدها ، أو في بلد آخر ، انتقل إليه ، حكم بتعديله دون جرحه ، لأنه قد يتوب وينتقل من الفسق إلى العدالة ، ويهفو كثير من الناس ثم يستقيمون .
قال الماوردي : اعلم أن الفسق قد يكون من ثلاثة أوجه :
أحدها : بالأفعال ، كالزنا واللواط والغصب والسرقة .
والثاني : بالأقوال ، كالقذف والكذب والسعاية والنميمة .
والثالث : بالاعتقاد ، كاستحلال المحظورات والتدين بالبدع المستنكرات .
فالأفعال : تعلم بالمعاينة ، والأقوال : تعلم بالسماع ، وكذلك الإعتقاد .
فلا تقبل من الجارح إذا شهد بأفعال الجرح إلا إذا شاهدها .
ولا تقبل منه إذا شهد بأقوال الجرح إلا إذا سمعها .
ولا تقبل منه إذا قال بلغني وقيل لي .
ولا تقبل فيه شهادة الأعمى بالجرح بالأفعال ولا في الأقوال ، أما الأفعال فإنه لم يرها ، وأما الأقوال فلأنه ، وإن سمعها فليس يتحققها من المجروح لاشتباه صوته بصوت غيره .
فأما الشهادة بها عن الإخبار فإن كانت أخبار آحاد لم يكن للمخبر أن يشهد بها ، وإن كانت من أخبار الاستفاضة أو التواتر التي لا يعترضها ارتياب جاز أن يشهد بها ، كما يشهد بالأنساب ، وبالأملاك ، والموت ، وتقبل فيه شهادة الأعمى ؛ لأنه مساو للبصير في العلم بها .
فإذا علم الشاهد الجرح إما بالمعاينة للأفعال أو بالسماع للأقوال أو بالخبر المستفيض بالأفعال والأقوال جاز أن يشهد بها . ولا يجوز أن يشهد بها من غير هذه الوجوه الثلاثة ؛ لأنه لا يكون على يقين من العلم بها والله تعالى يقول : ( إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ) .