الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص180
قالوا : ولأنه لما اعتبر إسلامه في الظاهر دون الباطن وجب اعتبار عدالته في الظاهر دون الباطن .
ولأن الرواة لأخبار الديانات لما اعتبرت عدالة ظاهرهم دون باطنهم كان في الشهادات أولى .
ولأنه لما اعتبر في شهود المناكح عدالة الظاهر ، كذلك شهود غير المناكح .
ودليلنا قوله تعالى : ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ) [ الطلاق : 2 ] وقال تعالى : ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) فأمر بالعدل ، ونهى عن الفاسق ، فوجب البحث عن حاله ليعلم أنه من المأمور بهم أو المنهي عنهم ، ولا يحكم بالعدالة عن جهالة كما لا يحكم بالفسق عن جهالة لاحتمال الأمرين .
وروى سليمان بن حريث قال شهد رجل عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له عمر : إني لست أعرفك ولا يضرك أن لا أعرفك فائتني بمن يعرفك فقال له رجل : أنا أعرفه يا أمير المؤمنين قال : بأي شيء تعرفه ؟ قال : بالعدالة والفضل ، . قال : هو جارك الأدنى تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه ؟ قال : لا . قال : فمعاملك بالدينار والدرهم اللذين يستدل بهما على الورع ؟ قال : لا قال : فصاحبك في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق ؟ قال : لا قال : فلست تعرفه ثم قال للرجل : ائتني بمن يعرفك فدل هذا من قوله وفعله على وجوب البحث عن العدالة .
ومن القياس إن كل عدالة شرطت في الشهادة لم يجز الحكم بها مع الجهالة كالشهادة على الحدود .
ولأن كل شهادة وجب البحث عن عدالتها في الحدود وجب البحث عن عدالتها في غير الحدود كما لو طعن فيها الخصم .
ولأن كل عدالة وجب البحث عنها إذا طعن فيها الخصم وجب البحث عنها وإن لم يطعن الخصم كالحدود .
ولأن اعتبار العدالة مجمع عليه ، وإنما الاختلاف في صفة الاعتبار ، فهم اعتبروها بالظاهر ونحن نعتبرها بالبحث والبحث أقوى من الظاهر ، فوجب أن يكون أحق بالاعتبار لما فيه من الاحتياط والاستظهار .
ولأنه لما لم يجز أن يحكم بإسلامه بالظاهر من دار الإسلام لأن فيها كفارا لم يجز أن يحكم بعدالته بظاهر الإسلام ؛ لأن في المسلمين فساقا .
فأما الجواب عن قوله : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) [ البقرة : 143 ] فمن وجهين :