پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص179

وإن علم إسلامهم وجهل عدالتهم لم يجز أن يحكم بشهادتهم حتى يبحث عن عدالة ظاهرهم وباطنهم فيحكم بها بعد ثبوت عدالتهم .

وبه قال أكثر الفقهاء ، وهو قول أبي يوسف ومحمد ، وسواء كان لهم سيما حسن وسمت جميل أو لم يكن .

وقال أبو حنيفة : يجوز أن يحكم بشهادتهم ويعمل على الظاهر من عدالتهم ، ولا يلزمه البحث عنها إلا في الحدود التي لا يمكن استدراكها ، أو يجرحهم الخصم المشهود عليه ، فيلزمه في هاتين الحالتين البحث عن عدالتهم ، ولا يلزمه البحث عنها فيما عداهما .

وقال مالك : إن كان لهم سيما جميل وسمت حسن حكم بشهادتهم من غير بحث عن عدالتهم ، وإن لم يكن لهم سيما وسمت لم يحكم بشهادتهم ، إلا بعد البحث عن عدالتهم استدلالا بقوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) [ البقرة : 143 ] .

ودليله من وجهين :

أحدهما : قوله ‘ وسطا ‘ والوسط العدل ومنه قول الشاعر .

( هم وسط ترضى الأنام بحكمهم
إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم )

والثاني : أنه جعلهم بما روي أن أعرابيا شهد عند رسول الله ( ص ) برؤية الهلال . فقال له : ‘ أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ؟ ‘ قال : نعم فأمر بلالا أن ينادي في الناس بالصيام من الغد ، ولم يسأل عن عدالته ، وعمل على الظاهر من حاله .

وروي أن النبي ( ص ) قال ‘ المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في فرية ‘ فحكم بظاهر العدالة ، إلا من ثبت جرحه .

وبما روي عن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري : ‘ المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو نسب ، فإن الله تولى السرائر ، ودرأ الحدود بالأيمان والبينات ‘ وهذا عهد عمل به المسلمون ، وتلقوه بالقبول فصار كالإجماع .

وقالوا : ولأن الفسق طارئ بما يستحدثه من فعل المعاصي بعد البلوغ ، فوجب أن يستدام حكم عدالته ما لم يثبت خلافها من فسقه .