الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص175
أحدهما : أن الظاهر منها نفوذها على الصحة .
والثاني : أنه ناظر في مستأنف الأحكام دون ماضيها .
فلهذين الأمرين لم يجب عليه أن يتعقبها .
فإن أراد أن يتعقبها من غير متظلم فقد اختلف أصحابنا في جواز ذلك له – وإن لم يجب عليه – على وجهين :
أحدهما : وهو قول أبي حامد الاسفراييني ، يجوز له أن يتعقبها ، لما فيه من فضل الاحتياط .
والوجه الثاني : وهو قول جمهور البصريين : لا يجوز له أن يتعقبها من غير متظلم إليه لأمرين :
أحدهما : أنه يتشاغل بماض لم يلزمه عن مستقبل يجب عليه .
والثاني : أنه يتتبع قدحا في الولاة يتوجه عليه مثله .
فإن تظلم إليه من الأول متظلم لم تخل ظلامته من أن تكون في حكم أو غير حكم .
فإن كانت في غير حكم كدعوى دين عليه أو عقد عقده معه كان الأول في هذه الدعوى عليه كغيره من الخصوم يجوز للحاكم إحضاره وسماع الدعوى عليه والحكم بينه وبين خصمه .
وإن كان التظلم منه في حكم حكم به عليه لم يسمع الحاكم الدعوى منه مجملة حتى يصفها بما تصح الدعوى بمثله .
فإذا وصفها نظر الحاكم فيها ، فإن كان الحكم بمثلها لا يجوز أن ينقض ، لأنه خالف فيها من قياس المعنى القياس الخفي ، أو خالف فيها من قياس الشبه قياس التقريب ، رد المتظلم عنه ولم يعده واعلمه أن حكمه نافذ عليه .
فإن كان الحكم مما ينقض مثله ، لمخالفته نص الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الجلي من قياسي المعنى أو قياس التحقيق من قياسي الشبه فقد اختلف أصحابنا بعد سماع هذه الدعوى منه فيما يستجيز به الحاكم إحضار الأول على ثلاثة أوجه :
أحدهما : أنه لا يستجيز إحضاره بمجرد الدعوى حتى يقيم بها المتظلم بينة تشهد له بصحة دعواه ، لأن الظاهر من أحكام الأول نفوذها على الصحة ، فلم يجز أن يعدل فيها عن الظاهر إلا ببينة . ولأن تصان ولاة المسلمين عن البذلة إلا بما يوجبها .
والوجه الثاني : إن اقترن بدعواه أمارة تدل على صحتها من كتاب قضية أو محضر ظاهر الصحة أحضر به الأول ، وإن تجردت الدعوى عن أمارة لم تحضره .