الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص167
فإن قيل : فقد جعل الأول لا يجوز خلافه ، وقياس المعنى يجوز خلافه إذا كان خفيا ، ولا يجوز خلافه إذا كان جليا ، فعنه جوابان :
أحدهما : أنه أراد الجلي دون الخفي .
والجواب الثاني : أنه أرادهما معا فالجلي لا يجوز خلاف حكمه والخفي لا يجوز ترك قياسه .
والوجه الثاني : في تأويل كلامه أنه أراد بالقياس الأول ما لا يجوز خلافه وهو القياس الجلي من قياسي المعنى وقياس التحقيق من قياسي الشبه ، لأن خلافهما لا يجوز ، وأراد بالقياس الثاني : ما يجوز فيه الاختلاف ، وهو القياس الخفي من قياسي المعنى وقياس التقريب من قياسي الشيء ، فيكون تأويله على الوجه الأول محمولا على معنى لفظه وتأويله على الوجه الثاني محمولا على معنى حكمه .
قال الماوردي : قد ذكرنا من أحكام الاجتهاد ما أغنى ، ومراد الشافعي بما أشار إليه من هذا ما قدمناه من بيان مذهبه في الاجتهاد في ثلاثة أحكام :
أحدها : أن عليه بالاجتهاد أن يتوصل إلى طلب العين ، وإصابة الحكم في الحادثة . وخالفه غيره فأوجب عليه الاجتهاد ليعمل بما أداه إليه .
والثاني : أن الحق في أحد أقاويل المجتهدين ، لا في جميعها وخالفه غيره فجعل الحق في جميعها .
والثالث : أن المصيب من المجتهدين واحد ، وإن لم يتعين ، وأن كلهم مخطئ عند الله ، وفي الحكم ، إلا ذلك الواحد ، فإنه يكون مصيبا عند الله ، وفي الحكم وخالفه غيره فجعل كل مجتهد مصيبا عند الله وفي الحكم .
فإذا استقرت هذه الأحكام الثلاثة من مذهبه في الاجتهاد اعترض بها عليه من خالفه في إنكار القولين ، فقالوا : كيف استجاز أن يحكم في حادثة بقولين مختلفين وثلاثة أقاويل وأكثر وهو يرى أن عليه طلب العين وأن الحق في واحد وإن كل مجتهد مخطئ إلا واحدا .
فكان حكمه بالقولين خطأ من أربعة أوجه :