الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص165
ولأنه لو كان الاستحسان دليلا لجاز أن يجعله في ترك الاستحسان دليلا فيؤول إثباته إلى إبطاله .
فأما الجواب عن استدلالهم بقوله تعالى : ( الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) [ الزمر : 18 ] فمن ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه أمره باتباع الأحسن دون المستحسن والأحسن ما كان في نفسه حسنا والمستحسن ما استحسنه الغير وإن لم يكن حسنا فافترقا ، ولزم اتباع الأحسن دون المستحسن .
والجواب الثاني : أنه وارد فيما جاء به الكتاب من ثواب الطاعات وعقاب المعاصي فيتبعون الأحسن من فعل الطاعة واجتناب المعصية .
والجواب الثالث : أنه محمول على ما جعل له من استيفاء الحق ، وندب إليه من العفو ، كما قال تعالى : ( كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ) [ البقرة : 178 ] فجعل له القصاص وندب فيه إلى العفو فكان العفو أحسن من القصاص .
فأما الجواب عن قوله : ‘ ما رآه المسلمون حسنا فهو حسن عند الله ‘ فمن وجهين :
أحدهما : أنه موقوف على ابن مسعود فلم يكن فيه حجة .
والثاني : أنه لا يخلو مراده من أحد أمرين :
إما أن يريد ما رآه جميع المسلمين حسنا فهو الإجماع ونحن نقول به .
أو يريد ما رآه بعضهم حسنا فليس بعضهم الذي استحسنه بأولى من البعض الذي استقبحه وهذا يتعارض فصار محمولا على الإجماع دون الاختلاف .
وأما الجواب عن استدلالهم بأن الإجماع منعقد على استحسان ما خالف الأصول فيما ذكروه من الأمثلة فمن وجهين :
أحدهما : أن الإجماع على هذا انعقد فصرنا إليه بالإجماع لا بالاستحسان .
والثاني : أن ما تراضى به الناس في معاملاتهم وتسامحوا به في عرفهم لم يعارضوا فيه ما لم يفض إلى الربا واستباحة الفروج ، ولو تحاكموا إلينا فيه لحملناه على موجب الأصول .
فإن قيل : فقد أنكر الشافعي الاستحسان ، وقال به في مسائل :