الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص160
وروى سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار ، فالذي في الجنة رجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحكم فجار عنه فهو في النار ورجل قضى بين الناس على جهل فهو في النار ‘ فهذا يدل على دخول العامي في الوعيد لأنه قضى على جهل .
فإن قيل : فإذا استفتى لم يقض على جهل وإنما يقضي بعلم . فعنه جوابان :
أحدهما : أن المقلد ليس يعلم أنه قضى بعلم .
والثاني : أنه جاهل بطريق العلم ، وإن علم فلم يخرج في الجوابين أن يكون قاضيا بجهل .
ومن القياس أن من لم يجز أن يكون مفتيا لم يجز أن يكون قاضيا كالفاسق .
ثم الحكم أغلظ لأن الحاكم ملزم والمفتي غير ملزم .
ولأن من لم يكن من أهل الاجتهاد لم ينفذ حكمه ، كغير المستفتي .
ولأنه حكم يلتزمه غير ملزمه فلم يصح من غير المجتهدين كالفتاوي .
فأما الجواب عن استدلالهم بالعامي المستفتي في حق نفسه فمن وجهين :
أحدهما : أن العامي مضطر والحاكم غير مضطر .
والثاني : أن العامي يلتزمه في حق نفسه والحاكم يوجبه على غيره .
وأما الجواب عن استدلالهم بالشهادة كالعالم فمن وجهين :
أحدهما : أنه لما روعي في الشهادة آلتها : وهو في التحمل العقل والبصر والسمع وفي الأداء العقل واللسان ، وجب أن يراعي في الحكم آلته : وهو الاجتهاد فصارت الشهادة لنا دليلا .
والثاني : في معنى الأصل أن العالم لما جاز أن يفتي جاز أن يحكم ، والعامي لم يجز أن يفتي لم يجز أن يحكم .
وأما الجواب عن استدلالهم بطريق الشهادة والتقويم ، فمن وجهين :
أحدهما : أنه لم ينصب له على صدق الشاهدين والمقومين دليل فجاز له تقليدهم وقد نصب له على الأحكام دليل فلم يجز تقليده فيها .
والثاني : أنه لما لم يلزم المفتي معرفة طريق الشهادة والتقويم لم يلزم الحاكم ولما لزم المفتي معرفة طريق الأحكام لزم الحاكم .
فإن كان ممن يعدل عن بعضها ويعتقد إبطال شيء منها نظر .