پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص150

ومثاله في الشرع : الشهادات أمر الله تعالى فيها بقبول العدل ورد الفاسق ، وقد علم أن أحدا غير الأنبياء لا يمحض الطاعة حتى لا يشوبها بمعصية من الصغائر ، ولا أحد يمحض المعصية حتى لا يشوبها بشيء من الطاعات ، فوجب اعتبار الأغلب من حاليه كما قال تعالى : ( فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية ) [ القارعة : 6 : 9 ] . وإن كانت الطاعات أغلب عليه حكم بعدالته ، ولا تأثير لما فيه من معصية ، وإن كانت المعاصي أغلب عليه حكم بفسقه ، ولا تأثير لما فيه من طاعة .

وامتنع أبو حنيفة من هذا الضرب أن يكون قياسا ؛ لأن القياس ما استخرج علة فرعه من أصله ، وهذا قد استخرج علة أصله من فرعه .

وهذا ليس بصحيح ، لأن صفة العلة مستخرجة من الفرع وحكم العلة مستخرج من الأصل ، والجمع بينهما موضوع لحكم العلة دون صفتها .

ومثل هذا نقوله في الماء المطلق إذا خالطه مائع طاهر كماء الورد فلم يغيره نظر : فإن كان الماء أكثر حكم له بالتطهير وإن كان فيه ما ليس بمطهر وإن كان ماء الورد أكثر حكم بأنه غير مطهر وإن كان فيه ما هو مطهر .

فإن سلم أبو حنيفة هذا الحكم ولا أحسبه يمتنع منه وخالف في الاسم لم تضر مخالفته في الاسم مع موافقته في معناه .

والضرب الثاني : أن يتردد الفرع بين أصلين مختلفي الصفتين والصفتان معدومتان في الفرع وصفة الفرع تقارب إحدى الصفتين وإن خالفتها .

مثاله في المعقول : أن يكون أحد الأصلين معلولا بالبياض والأصل الآخر معلولا بالسواد والفرع أخضر ليس بأبيض ولا أسود فيرد إلى أقرب الأصلين شبها بصفته والخضرة أقرب إلى السواد من البياض فيرد إلى السواد دون البياض .

ومثاله في الشرع قوله تعالى في جزاء الصيد : ( فجزاء مثل ما قتل من النعم ) [ المائدة : 95 ] .

وليس المثل من النعم مشبها للصيد في جميع أوصافه ولا منافيا له في جميع أوصافه فاعتبر في الجزاء أقرب الشبه بالصيد .

ومنع أبو حنيفة أن يكون هذا قياسا لأن القياس ما وجدت أوصاف أصله في فرعه وأوصاف الأصل في هذا غير موجودة في الفرع فصار قياسا بغير علة .

وهذا ليس بصحيح ، لأن الحادثة لا بد لها من حكم والحكم لا بد له من دليل فإذا لم يكن في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع دليل عليها لم يبق لها أصل غير القياس فكان أقربها شبها بأصل القياس هو علة القياس .