الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص146
أحدها : وهو قول أكثرهم : لا يجوز النسخ به لأن القياس فرع النص فلم يجز أن يكون ناسخا للنص .
والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وحكاه عن بعض من تقدمه أنه يجوز أن ينسخ به النص ، لأنه لما لم يجز أن يرد التعبد في فرعه بخلاف أصله صار الفرع كالنص فجاز به النسخ .
فإن كان أصله نصا في القرآن جاز أن ينسخ به القرآن دون السنة ، وإن كان أصله نصا في السنة جاز أن تنسخ به السنة دون القرآن .
والضرب الثاني : ما عرف معناه من ظاهر النص بغير استدلال لكن يجوز أن يرد التعبد فيه بخلاف أصله .
وذلك مثال نهي النبي ( ص ) عن الأضحية بالعوراء البين عورها والعرجاء البين عرجها فكانت العمياء قياسا على العوراء ، والقطعاء قياسا على العرجاء ، وإن جاز أن يرد التعبد بتحريم العوراء والعرجاء وإباحة العمياء والقطعاء .
ومثله ‘ نهى النبي ( ص ) المحرم أن يلبس ثوبا مسه ورس أو زعفران ‘ فكان العنبر والمسك قياسا على الورس والزعفران ، وإن جاز أن يرد التعبد بتحريم الورس والزعفران وإباحة المسك والعنبر .
وهذا مما اختلف نفاة القياس فيه فاقتصر بعضهم على تحريم النص وإباحة ما عداه فحرم التضحية بالعوراء والعرجاء ، وأباحها بالعمياء والقطعاء ، وحرم ما مسه ورس أو زعفران ، وأباح ما مسه عنبر أو مسك .
وأثبت بعضهم تحريم جميعه بالتنبيه دون النص .
فهذا الضرب يجوز تخصيص العموم بمثله ، ولا يجوز به النسخ بوفاق أصحابنا لجواز ورود التعبد في الفرع بخلاف أصله .
والضرب الثالث : ما عرف معناه من ظاهر النص باستدلال ظاهر ويعرف بمبادئ النظر .
وذلك مثل قول الله تعالى في زنا الإماء : ( فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) [ النساء : 25 ] فجعل حدهن نصف حد الحرائر ، ولم يكن المعنى فيه إلا نقصهن بالرق ، فكان العبيد قياسا عليهن في تنصيف الحد إذا زنوا لنقصهم بالرق .
ومثله قوله النبي ( ص ) : ‘ من أعتق شركا له في عبد وكان موسرا قوم عليه ‘ فكانت الأمة قياسا على العبد .