الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص145
ومثله قوله تعالى : ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك ) [ آل عمران : 75 ] فالأمين على القنطار هو على الدينار أمن ، والخائن في الدينار هو في القنطار أخون .
وهذا الضرب من القياس هو أقرب وجوه القياس إلى النصوص لدخول فروعها في النصوص .
وأنكر نفاة القياس أن يكون هذا الضرب قياسا .
وجعله بعضهم نصا وجعله آخرون تنبيها .
وأنكر كثير من مثبتي القياس أن يكون هذا قياسا . وسماه بعضهم مفهوم الخطاب وسماه آخرون منهم فحوى الكلام .
وأنكروا على الشافعي تسميته قياسا .
قالوا : لأن القياس ما خفي حكم المسكوت عنه حتى عرف بالاستدلال من المنصوص عليه ، فما خرج عن الخفاء ولم يحتج إلى الاستدلال فليس بقياس وهذا الإنكار خطأ من وجهين :
أحدهما : أن النص ما عرف حكمه من اسمه والقياس ما عرف حكمه من اسم غيره ، وهذا موجود هاهنا : لأن اسم التأفيف لا ينطلق على الضرب والشتم كما لا ينطلق اسم الضرب على التأفيف ، لأن كل واحد من الاسمين ينطلق على غير ما ينطلق عليه الآخر فصار تحريم الضرب مأخوذا من معنى التأفيف لا من اسمه . فإن امتنعوا أن يسموه قياسا فقد سلموا معنا وخالفوا في اسمه ، والمخالفة في الاسم مع تسليم المعنى مطرحة .
والثاني : أن المعاني تتنوع : فيكون بعضها جليا تسبق بديهته إلى الفهم من غير استدلال وبعضها خفيا لا يفهم إلا بالفكر والاستدلال ، كما أن الأسماء تتنوع فيكون بعضها واضحا تعرفه الخاصة والعامة ، وبعضها غامضا تعرفه الخاصة دون العامة ، كنهيه ( ص ) أن يصلي الرجل وهو زناء وقوله في الزكاة : ‘ لا جلب ولا جنب ولا خلاط ولا وراط ونهى عن بيع الملاقيح والمضامين ‘ ، فلما لم يكن اختلاف الأسماء في الوضوح والغموض مانعا من أن تكون جميعها نصوصا لزم أن يكون اختلاف المعاني في الجلاء والخفاء ليس بممتنع من أن تكون جميعها قياسا .
فإذا صح أن هذا قياس فلا يختلف أصحابنا في جواز تخصيص العموم به .
واختلفوا في جواز النسخ به على وجهين .