الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص138
فأولو الأمر هم العلماء والاستنباط هو القياس ، فصارت هذه الآية كالنص في إثباته .
وقال تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) [ الأنعام : 38 ] .
وقال : ( تبيانا لكل شيء ) [ النحل : 89 ] .
فدل على أن ليس من حادثة إلا ولله فيها حكم قد بينه من تحليل أو تحريم وأمر ونهي .
وقد تجد أكثر الحوادث غير منصوص على أحكامها والمسكوت عنه أكثر من المذكور فدل على أن ما أخفاه مستنبط مما أبداه وأن الجلي دليل على الخفي لنص الكتاب تبيانا لكل شيء وما فرط فيه من شيء فتكمل بقياس السمع أحكام الدين كما كمل بقياس العقل أحكام الدنيا .
وأما السنة : فقول النبي ( ص ) لمعاذ حين قلده قضاء اليمن : ‘ بم تحكم ؟ ‘ قال : بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد قال : بسنة رسول الله ، فإن لم تجد ؟ قال : أجتهد رأيي قال : ‘ الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله ‘ .
فدل على جواز الاجتهاد في الأحكام عند عدم النص وأن كل الأحكام ليست مأخوذة عن نص فصار القياس أصلا بالنص .
فإن قيل : فالقياس أصل في الشرع ، وهذا خبر واحد لا تثبت به الأصول الشرعية ؟ قيل : قد تلقته الأمة بالقبول فجرى مجرى التواتر .
وقال النبي ( ص ) لعمر عليه السلام حين سأله عن قبلة الصائم : ‘ أرأيت لو تمضمضت ؟ ‘ فجعل القبلة بغير إنزال قياسا على المضمضة بغير ازدراد .
وأتاه رجل فقال : يا رسول الله إن لي أولادا بيضا وفيهم أسود فما باله من بينهم فقال له النبي عليه السلام : ‘ ألك إبل عبس ؟ ‘ يعني بيضا فقال : نعم فقال : ‘ فهل فيها من أورق ؟ ‘ قال : نعم قال : ‘ فمن باله من بينهم ؟ ‘ قال : لعل عرقا نزعه قال : ‘ فلعل عرقا نزع هذا ‘ فاعتبر اختلاف ألوان أولاده باختلاف ألوان نتاجه فقاس أحدهما على الآخر .
ولأنه ( ص ) رجم ماعزا حين زنا لعله دليلا على رجم غيره من الزنا قياسا عليه .
وقال عليه السلام في بيع التمر بالرطب : أينقص إذا يبس قيل نعم قال : فلا إذن .
وقيل له لما أراد أن يقطع الأبيض بن حمال ملح مأرب : أنه كالماء العيد قال : ‘ فلا إذن ‘ . فعلل الأحكام بالمعاني .
ولأن الصحابة قد أجمعت على القياس عند اختلافهم في توريث الإخوة مع الجد