الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص132
فأحدها : أن يكون المعنى مؤثرا في الحكم ، فإن لم يؤثر لم يجز أن يكون معنى للحكم ولا علة له ، فإن النبي ( ص ) لم يرجم ماعزا لاسمه ولا لهيئة جسمه ، ولكن رجمه للزنا فصار الزنا علة الرجم ، كما أثبت النبي ( ص ) الربا في البر ليس ، لأنه مزروع ولكن لأنه مطعوم فكان الطعم علة الربا دون الزرع .
والشرط الثاني : أن يسلم المعنى والعلة على الأصول ولا يردهما نص ولا إجماع ؛ لأن القياس فرع لهما يستعمل عند عدمهما فلم يجزان يكون رافعا لهما ، فإذا رده أحدهما بطل .
والشرط الثالث : أن لا يعارضهما من المعاني والعلل ما هو أقوى منهما فإن الأقوى أحق بالحكم من الأضعف كما أن النص أحق بالحكم من القياس ، وما أدى إلى إبطال الأقوى فهو الباطل بالأقوى .
والشرط الرابع : أن يطرد المعنى والعلة فيوجد الحكم بوجودهما فيسلما من نقض أو كسر .
فإن عارضهما نقض أو كسر فعدم الحكم مع وجودهما فسد المعنى وبطلت العلة ، لأن فساد العلة يرفعها وفساد المعنى لا يرفعه ، لأن المعنى لازم والعلة طارئة ؛ لأن الكيل إذا بطل أن يكون علة الربا في البر لم يبطل أن يكون الكيل باقيا في البر فيصير التعليل باطلا والمعنى باقيا .
ولا يجوز تخصيص المعاني والعلل المستنبطة ليسلم من النقض المعترض ويكون دخول النقض عليهما بارتفاع الحكم مع وجودهما دليلا على فسادها .
فأما العلل المنصوص عليها فقد اختلف أصحابنا في جواز تخصيصها على وجهين :
أحدهما : لا يجوز تخصيصها اعتبارا بالعلل المستنبطة .
والوجه الثاني : يجوز تخصيصها ؛ لأنها لفظ منطوق به فجرى مجرى تخصيص العموم ، كما علل رسول الله ( ص ) المنع من بيع التمر بالرطب ؛ لأنه ينقص إذا يبس ، وجوز بيع التمر بالرطب في العرايا وإن نقص إذا يبس .
وحكي عن أبي حنيفة : أنه جوز تخصيص العلل المستنبطة والمنصوص عليها ولا يفسدها بمعارضة النقض ، لخروجه منها بالتخصيص ، استدلالا بأنه لما جاز تخصيص العموم كان تخصيص العلل أولى ؛ لأنها قد تستنبط من عموم مخصوص هي له فرع وهو لها أصل . وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أنه لما كان سلامة الطرد معتبرا في العلل العقلية وجب أن يكون معتبرا