الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص91
وله حالتان :
أحدهما : أن يحدث من حفظه فيصح السماع منه إذا وثق بحفظه .
والحال الثانية : أن يحدث من كتابه .
فإن كان أعمى لم تصح روايته من كتابه ، لأن الكتب قد تشتبه عليه .
وإن كان بصيرا صح أن يروي من كتابه بشرطين :
أحدهما : أن يكون واثقا بكتابه .
والثاني : أن يكون ذاكرا لوقت سماعه .
فإن أخل بأحدهما لم تصح روايته وإن جمعهما صحت .
ومنع أبو حنيفة أن يروي إلا من حفظه كما لا يجوز للشاهد أن يشهد إلا من حفظه .
ودليلنا ما روي عن النبي ( ص ) أنه قال ‘ قيدوا العلم بالكتاب ‘ ولو لم يصح الرجوع إليه لكان الأمر بتقييده عينا . وروي أن رجلا شكا إلى رسول الله ( ص ) النسيان فقال له : ‘ حرك يدك – أي اكتب – حتى ترجع إذا نسيت إلى ما كتبت ‘ وقد كتب عثمان رضي الله عنه حتى جمع القرآن عدة مصاحف وأنفذها إلى الأمصار فحفظ المسلمون منها القرآن .
والفرق بين الشهادة والحديث : أن الشهادة يفترق فيها حال الشاهد والمشهود عليه فتغلظت بالحفظ ، كما تغلظت بالعدد ، والحديث يشترك فيه المحدث والمستمع فتخففت بالكتاب كما تخففت في العدد .
وقد صارت الرواية في عصرنا من الكتاب أثبت عند أصحاب الحديث من الحفظ لما يرجعون إليه من شواهد الأصول في صحة السماع .
ويجوز أن يقول المحدث في روايته : ‘ حدثنا ‘ و ‘ أخبرنا ‘ وهما عند الشافعي سواء في الحكم غير أن الأولى في عرف أصحاب الحديث إن سمع من لفظ المحدث أن يقول : ‘ حدثنا ‘ وإن قرأه على المحدث أن يقول : ‘ أخبرنا ‘ وإن سمع وحده قال : ‘ حدثني ‘ و ‘ أخبرني ‘ وإن سمع مع جماعة قال : ‘ حدثنا ‘ و ‘ أخبرنا ‘ لتكون هذه الفروق تذكيرا بأحوال السماع وإن كانت في الحكم سواء .