الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص87
وأوضح لهم الأحكام فالتزموها بخبره ورسول الله ( ص ) في عصره ما عدلوا إليه فيها ولا طلبوا مع معاذ زيادة عليه ، ولأنه لما سقط عن رسول الله ( ص ) فرض الإبلاغ بذكر الآحاد لزم فيها قبول أخبار الآحاد ، ولو لزم فيها العدد المتواتر لأداها إلى العدد المتواتر ، ولأنه لما جاز للمستفتي أن يعمل على فتيا المفتي جاز للمستخبر أن يعمل على رواية المخبر ؛ لأنهما في أحكام الدين على سواء .
فإذا ثبت أن أخبار الآحاد حجة توجب العمل بها فقد اختلف القائلون بها .
فذهب بعض أهل العراق إلى أنها لا تقبل إلا من اثنين على اثنين حتى تتصل بالرسول كأقل الشهادات .
وذهب آخرون إلى أنها لا تقبل إلا من أربعة عن أربعة كأكثر الشهادات .
وذهب الشافعي ، وجمهور الفقهاء إلى أن العدد فيها غير معتبر ، وأن خبر الواحد والجماعة في وجوب العمل بها واحد ، وقد عمل أبو بكر على خبر الواحد في ميراث الجدة وأخذ الجزية من المجوس ، وعمل على خبر الواحد في دية الجنين فلم ينكر عليهما أحد مع انتشاره واشتهاره ولأن ما يجوز في الواحد من الاحتمال يجوز في الاثنين والأربعة ، وليس اعتبار أخبار السنن بالشهادة بأولى من اعتبارها بأخبار المعاملة ، لأنها واسطة بينهما فاعتبر فيها العدالة كالشهادة ، وقبل فيها خبر الواحد كالمعاملة .
وإذا ثبت قبولها من الواحد والجماعة وجب العمل بما تضمنها ما لم يمنع منه العقل .
وامتنع أبو حنيفة من العمل بها إذا خالفت الأصول ولذلك لم يعمل بخبر المصراة .
ومنع مالك من العمل بها ، وإذا خالفت عمل أهل المدينة ، ولذلك لم يعمل على خيار المجلس في البيع وهو الراوي له .
وكلا القولين فاسد ؛ لأن الخبر أصل فلم يجز أن يدفع بأصل ، وهو حجة على أهل المدينة ، فلم يجز أن يدفع بعمل أهل المدينة .
وإذا كان كذلك فهو وإن أوجب العمل فغير موجب للعلم الباطن بخلاف المستفيض والمتواتر .