پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص81

يجوز أن يرد النسخ قبل العلم بالمنسوخ لأن من شرط النسخ أن يكون بعد استقرار الفرض ليخرج عن البداء إلى الإعلام بالمدة .

فإن قيل : فقد روي عن النبي ( ص ) في ليلة المعراج أن الله تعالى فرض على أمته خمسين صلاة فلم يزل يراجع ربه فيها ويستنزله حتى استقر الفرض على خمس فدل على جواز النسخ قبل العلم بالمنسوخ .

قيل : هذا إن ثبت فهو على وجه التقرير دون النسخ ؛ لأن الفرض يستقر بنفوذ الأمر ولم يكن من الله تعالى فيه أمر إلا عند استقرار الخمس .

والضرب الثالث : المختلف فيه فهو ورود النسخ بعد اعتقاد المنسوخ وقبل العمل به .

وفيه لأصحابنا ثلاثة أوجه :

أحدها : لا يجوز نسخه بعد اعتقاده وقبل العمل به كما لا يجوز نسخه قبل الإعتقاد لما ذكرنا من التعليل ليخرج من البداء إلى النسخ .

والوجه الثاني : يجوز نسخه بعد الإعتقاد وقبل العمل ، كما يجوز نسخه بعد العمل ، لأن الإعتقاد من أعمال القلب ، فكان كالنسخ بعد العمل ، ويكون مراد الله تعالى به الإعتقاد دون العمل اختبارا لطاعتهم ، كما أمر الله تعالى إبراهيم بذبح ابنه ثم نهاه عنه قبل ذبحه فقال : ( فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين ) [ الصافات : 102 ] فاختبر بذلك طاعته ونهاه بعد الإعتقاد وقبل الفعل .

والوجه الثالث : أنه لا يجوز النسخ إلا أن يمضي بعد الإعتقاد زمان يمكن العمل به وإن لم يعمل به لاختصاص النسخ بتقدير مدة التكليف وذلك موجود بمضي زمانه . فإذا استقر النسخ بما بيناه لزم فرضه في الحال لكل من علم به من الحاضرين . وأما فرضه على الغائبين عنه ففيه وجهان :

أحدهما : يجب فرضه عليهم في الحال كالحاضرين وإن لم يعلموا به إلا بعد حين ؛ لأن الله تعالى قد عمهم بفرضه ولم يخص به حاضرا من غائب .

والوجه الثاني : وهو أشبه – أن فرضه يجب عليهم بعد علمهم به وإن تقدم فرضه على غيرهم عن علم كما يلزم الحاضرين فرضه بعد إبلاغ الرسول وإن تقدم فرضه على الرسول ولذلك استدار أهل قباء في صلاتهم إلى بيت المقدس وتحولوا إلى الكعبة فبنوا على ما تقدم قبل علمهم وقال ابن عمر : كنا نخابر أربعين سنة . لا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رافع بن خديج أن رسول الله ( ص ) نهى عنها فانتهينا ولم يتراجعوا فيما تقدم .