الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص74
وقد روى معاذ بن جبل عن النبي ( ص ) أنه قال : القرآن على ثلاثة أجزاء : ‘ حلال فاتبعه ، وحرام فاجتنبه ، ومتشابه يشكل عليك فكله إلى عالمه ‘ .
وإذا وضح ما ذكرناه فما تضمنه كتاب الله تعالى من الأحكام والأعلام ينقسم أربعة أقسام :
أحدها : محكم في أحواله .
والثاني : متشابه في أحواله .
والثالث : متشابه في حال ومحكم في حال .
والرابع : محكم من وجه ومتشابه من وجه .
فأما القسم الأول وهو المحكم في الأحوال فضربان : مفهوم ، ومعقول ، والفرق بينهما أن المفهوم ما لم يحتج إلى فكر ، والمعقول ما احتاج إلى فكر .
والمفهوم : ضربان :
أحدهما : ما فهم صريح لفظه كقوله تعالى في تحريم المناكح ( حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم ) [ النساء : 23 ] الآية .
والثاني : ما فهم بمخرج خطابه مثل قوله في تحريم الخمر والقمار : ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) [ المائدة : 90 ] فدل وضع الخطاب على تحريمه .
والمعقول : ضربان :
أحدهما : ما علم بالتنبيه كقوله : ( وورثه أبواه فلأمه الثلث ) [ النساء : 11 ] نبه بثلث الأم على أن الباقي للأب .
والثاني : ما علم بالاستدلال : مثل تقدير أقل الحمل بستة أشهر بقوله ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) [ الأحقاف : 14 ] دل بقوله ( حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ) [ البقرة : 233 ] على أن الباقي من ثلاثين شهرا هو أقل مدة الحمل .
فهذه الضروب الأربعة ونظائرها محكمة غير متشابهة .
وأما القسم الثاني : وهو المتشابه في الأحوال : فضربان :
أحدهما : ما تلوحت فيه إشارة يحتمل الاستدلال بها كقوله في الكلالة : ( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس ) [ النساء : 12 ] فسأل عمر رسول الله ( ص ) عن الكلالة . فقال : ‘ تكفيك آية الصيف ‘ يعني قوله : ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) [ النساء : 176 ] . . . الآية