الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص64
ولم يعتبروا معنى الأصل في عموم ولا خصوص ، لاعتمادهم على المنصوص دون المعاني .
ولأن النص لا يرفع بالتعليل ، لأنه يصير نسخا بها :
ولأنه لو سقط حكم هذا التقييد المشروط لجاز أن يسقط حكم أصله .
ولو استقر أصل هذا لسقطت أحكام النصوص كلها . وهذا الذي قاله مدفوع بنص الكتاب :
قال الله تعالى : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ) [ الإسراء : 31 ] وليس يستباح قتلهم مع أمن الإملاق كما لا يستباح مع وجوده .
وقال ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ) [ النور : 33 ] ولا يجوز إكراههن عليه وإن لم يردن تحصنا .
وقال تعالى ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) [ التوبة : 36 ] وهو لا يجوز أن يظلم فيهن ولا في غيرهن .
فلما سقط حكم التقييد في هذا ولم يصر نسخا جاز أن يسقط في غيره ولا يكون نسخا ، فإن خص هذا بدليل فقد جعلوا للدليل تأثيرا في إسقاط التقييد وهو الذي ذكرناه .
فإن قيل فإذا سقط حكم التقييد صار لغوا غير مقيد .
قيل : يحتمل ذكر التقييد مع سقوط حكمه أمورا منها :
أن يكون حكم المسكوت عنه مأخوذا من حكم المنطوق به ليستعمله المجتهد فيما لم يجد فيه نصا فإن أكثر الحوادث غير نصوص .
ومنها : أن يكون التقييد تنبيها على غيره كما قال تعالى : ( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك ) [ آل عمران : 75 ] فنبه بالقنطار على الكثير ونبه بالدينار على القليل ، وإن كان حكم القليل والكثير فيهما سواء .
ومنها أن يكون الوصف هو الأغلب من أحوال ما قيد به ، فيذكره لغلبته كما قال تعالى : ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) [ البقرة : 229 ] وإن كانت مفاداة الزوجين تجوز مع وجود الخوف وعدمه لأن الأغلب من المفاداة أن تكون مع الخوف .