پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص62

أحدهما : ما وكل العلماء إلى اجتهادهم في بيانه من غير سمع يفتقر إليه : مثل قوله تعالى : ( حتى يعطوا الجزية عن يد ) [ التوبة : 29 ] فلم يرد سمع ببيان أقل الجزية حتى اجتهد العلماء في أقلها . وكقوله تعالى : ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله ) [ الجمعة : 9 ] فأجمل ذكر العدد الذي تنعقد به الجمعة حتى اجتهد العلماء فيه . وكقوله تعالى في نفقة الزوجات ( لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله ) [ الطلاق : 7 ] فأجمل قدر النفقة في أقلها وأوسطها وأكثرها حتى اجتهد العلماء في تقديرها فهذا ونظائره من المجمل الذي لا يفتقر إلى بيان السمع فبيانه ساقط عن الرسول ( ص ) لأنه مأخوذ من أصول الأدلة المشهورة ، سأل عمر بن الخطاب رسول الله ( ص ) عن الكلالة فقال : ‘ تكفيك آية الصيف ‘ فوكله إلى الاجتهاد ولم يصرح بالبيان .

واختلف أصحابنا في هذا النوع من البيان الصادر عن الاجتهاد هل يؤخذ قياسا أو تنبيها ؟ على وجهين :

أحدهما : يؤخذ تنبيها من لفظ المجمل وشواهد أحواله ، لأن النبي ( ص ) قال لعمر في الكلالة : ‘ تكفيك آية الصيف ‘ فرده إليها ليستدل بما تضمنها من تنبيه وشواهد حال .

والوجه الثاني : يجوز أن يؤخذ قياسا على ما استقر بيانه من نص أو إجماع لأن عمر سأل رسول الله ( ص ) عن قبلة الصائم فقال : أرأيت لو تمضمضت بماء فجعل القبلة بغير إنزال كالمضمضة بلا ازدراد .

والضرب الثاني من المجمل : ما يفتقر بيانه إلى السمع ، كقوله ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) [ البقرة : 43 ] لا يوصل إلى بيانه إلا من نص مسموع من كتاب أو سنة .

فعلى هذا هل يجوز أن يتأخر بيانه وبيان تخصيص العموم عن وقت نزوله إلى وقت تنفيذه واستعماله أم لا ؟ على ثلاثة أوجه :

أحدها : يجوز أن يؤخر بيان العموم والمجمل عن وقت النزول إلى وقت التنفيذ والاستعمال ، لأن معاذا أخر بيان الزكاة لأهل اليمن إلى الوقت الذي أخذها منهم .

والوجه الثاني : لا يجوز تأخير بيان المجمل والعموم عن وقت النزول إلى وقت التنفيذ لاختلاف أحوال الناس في الحاجة إلى البيان وليحترز بتعجيله من اخترام المنية للرسول المبين .

والوجه الثالث : يجوز تأخير بيان العموم ؛ لأنه قبل البيان مفهوم ، ولا يجوز تأخير بيان المجمل ؛ لأنه قبل البيان غير مفهوم .