الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص59
غير اجتهاد ولا نظر وبعد التخصيص مجمل لا يستعمل إلا بعد البيان ؛ لأنه قبل التخصيص جلي وبعد التخصيص خفي .
والرابع : وهو مذهب الشافعي أن لمطلق العموم صيغة توجب النظر والاجتهاد في أدلة تخصيصه ، فإن وجد ما يخصه استعمل باقيه بعد تخصيصه ، وإن لم يوجد ما يخصه أجري على عمومه ، ولا يجوز استعماله قبل النظر ولا يصير مجملا بعد التخصيص ، لأنه قبل النظر والاجتهاد متكافئ الاحتمال وبعد إمعان النظر والاجتهاد مترجح الاستعمال وليس لزمان النظر والاجتهاد وقت مقدر وإنما هو معتبر بما يؤديه الاجتهاد إليه من الرجاء والإياس .
وإذا كان كذلك فأدلة التخصيص تؤخذ من أربعة أصول : الكتاب والسنة والإجماع والقياس .
فأما تخصيص الكتاب : فمثل قوله تعالى : ( والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) [ البقرة : 228 ] فاقتضى عمومه إيجاب العدة على كل مطلقة فخص منه المطلقة قبل الدخول بقوله تعالى : ( إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ) [ الأحزاب : 46 ] .
وأما تخصيص الكتاب بالسنة : فمثل قوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) [ المائدة : 38 ] خصه قول النبي ( ص ) ‘ لا قطع في أقل من ربع دينار ‘ ولا قطع في ثمر ولا أكثر ومثل قوله تعالى ( فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) [ التوبة : 5 ] ونهى النبي ( ص ) عن قتل النساء والولدان .
وأما تخصيص الكتاب بالإجماع : فمثل قوله تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) [ النساء : 11 ] خصة الإجماع في أن العبد لا يرث . وخصته السنة في أن القاتل والكافر لا يرثان فصارا بعضها مخصوصا بالسنة وبعضها مخصوصا بالإجماع .
وأما تخصيص الكتاب بالقياس : فمثل قوله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) [ النور : 2 ] ثم خصت الأمة بنصف الحد نصا بقوله : ( فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) [ النساء : 25 ] ثم خص العبد بنصف الحد قياسا على الأمة فصار بعض الآية مخصوصا بالكتاب وبعضها مخصوصا بالقياس ومثل قوله تعالى : ( والبدن جعلناها لكم من شعائر الله إلى قوله فكلوا منها ) [ الحج : 36 ] ثم خص الإجماع تحريم الأكل من جزاء الصيد وخص القياس عند الشافعي تحريم الأكل من هدي المتعة والقرآن قياسا على جزاء الصيد فصار بعض الآية مخصوصا بالإجماع وبعضها مخصوصا بالقياس .