الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص54
أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) [ فصلت : 53 ] فدل على أن رؤية الآيات تدل على الحق دون الإلهام ، وقال تعالى : ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) [ الشورى : 10 ] .
يعني إما بالنص على حكمه ، وإما بالنص على أصله ، ولم يجعل لإلهام القلوب علما بغير أصل .
ثم يقال : لمن أثبت المعارف بالإلهام لم قلت : بالإلهام فإن استدل ناقض وإن قال قلته بالإلهام فعنه سئل فيقال له انفصل عمن ادعى الإلهام في إبطال الإلهام وانفصل عمن ادعى الإلهام بخلاف إلهامك في جميع أقوالك .
فإذا ثبت وجوب النظر في الأصول الشرعية فالسبب المؤدي إلى معرفتها والعمل بها شيئان :
أحدهما : علم الحق وهو العقل : لأن حجج العقل أصل لمعرفة الأصول إذ ليس تعرف صحة الأصول إلا بحجج العقول . ولذلك لم يرد الشرع إلا بما أوجبه العقل أو جوزه ولم يرد بما حظره العقل وأبطله قال الله تعالى : ( وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ) [ العنكبوت : 43 ] معناه وما يعلمها إلا العاقلون لقوله : ( إن في ذلك لآيات لأولي النهي ) [ طه : 54 ] يعني أولي العقول .
فصارت حجج العقول قاضية على حجج السمع ومؤدية إلى علم الاستدلال ، ولذلك سمى كثير من العلماء العقل أم الأصول .
والسبب الثاني في معرفة الأصول الشرعية معرفة لسان العرب :
وهو معتبر في حجج السمع خاصة قال الله تعالى : ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ) [ إبراهيم : 4 ] لأنه لا يخاطبهم إلا بما يفهم عنه ليكون حجة عليهم ولهم ، وقد قال تعالى : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) [ النحل : 103 ] فاحتاج الناظر إلى معرفة لسانهم ، وموضوع خطابهم ، ليفرق بين الحقيقة والمجاز ، وبين الإثبات والنفي ، وبين المطلق والمقيد ، وبين العام والخاص ، وبين المفسر والمجمل ، وبين الناسخ والمنسوخ ، ويفرق بين الفاعل والمفعول ، ويعرف صيغة الأوامر والنواهي .
فإن قصر عنها لم يصح منه النظر .
ولسنا نعني أن يكون عالما بجميع لغتهم وإعراب كلامهم ، لأن التشاغل به يقطعه عن علم ما سواه ، وإنما نريد أن يكون عالما بموضوع كلامهم ومشهور خطابهم وهو