الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص52
قال الماوردي : وهذا صحيح لأنه لم يؤمر بالمشاورة للتقليد وإنما أمر بها لأمرين :
أحدهما : ليتوصل بها إلى معرفة ما لم يصل إليه من الأدلة ، وربما خفيت عليه سنة علم بها المستشار ولم يعلم بها المستشير .
والثاني : ليستوضح بمناظرتهم طرق الاجتهاد والتوصل إلى غوامض المعاني ، فإن باجتماع الخواطر في المناظرة يكمل الاستيضاح والكشف فلذلك كان مأمورا بها .
أما التقليد فهو قبول قول بغير دليل . مأخوذ من قلادة العنق ، لأنه قد جعل قبول قوله كالقلادة في عنقه .
وهو ضربان : ضرب : أمرنا به وضرب نهينا عنه .
فأما المأمور به فالتقليد في الأخبار والشهادة وتقليد العامي للعالم فيما يختص به من علم ، وقد استوفيناه مشروحا في أول كتابنا هذا .
فأما المنهي عنه : فهو التقليد فيما يعتقده علما ، أو يقضي به حكما ، ويفتي به إخبارا ، فهو محظور ، لا يستقر به علم ، ولا يصح به حكم ، ولا تجوز به فتيا ، ويستوي في حظره تقليد من عاصره ومن تقدمه وسواء ساواه في العلم أو زاد عليه .
وجوز بعض الفقهاء تقليد علماء السلف ومن عاصره من المتقدمين عليه في العلم لقول الله تعالى ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [ النحل : 43 ] .
وجوز بعض أصحاب الحديث تقليد الصحابة والتابعين دون غيرهم ، لقول النبي ( ص ) ‘ خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ‘ .
وجوز آخرون منهم تقليد الصحابة دون التابعين لقول النبي ( ص ) : ‘ أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ‘ .