الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص51
أحدها : علمه بكتاب الله تعالى في معرفة ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومفسره ومجمله وعمومه وخصومه ، وإن لم يقم بتلاوته .
والثاني : علمه بسنة رسول الله ( ص ) في معرفة أخبار التواتر والآحاد وصحة الطرق والإسناد ، وما تقدم منها وما تأخر ، وما كان على سبب وغير سبب وإن لم يسمعها مسندة إذا عرفها من وجوه الصحة .
والثالث : علمه بالإجماع والاختلاف وأقاويل الناس ليتبع الإجماع ويجتهد في المختلف .
والرابع : علمه بالقياس ما كان منه جليا أو خفيا وقياس المعنى وقياس الشبه وصحة العلل وفسادها .
والخامس : علمه بالعربية فيما تدعو الحاجة إليه من اللغة والإعراب ، لأن لسان الكتاب والسنة عربي ، فيعرف لسان العرب ، من صيغة ألفاظهم وموضوع خطابهم ليفرق بين الفاعل والمفعول ، وحكم الأوامر والنواهي ، والندب والإرشاد ، والعموم والخصوص .
فإذا أحاط علما بهذه الأصول الخمسة وأشرف عليها وإن لم يصر أعلم الناس بها إذا تبينها علم ما لم يعلم – جاز أن يفتي وجاز أن يستفتى .
وجاز أن يشاوره القاضي في الأحكام النازلة ، وسواء وافق القاضي على مذهبه أو خالفه ، لأنه لا يقتنع منه بالجواب حتى يسأله عن الدليل والتعليل .
فإن كان فاسقا لم يعمل على قوله فيما تعلق بالنقل والرواية والفتيا لقول الله تعالى ( إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ) [ الحجرات : 6 ] .
واختلف في جواز مباحثته فيما تعلق بالمعاني والاستنباط فمنع أبو علي بن أبي هريرة من مباحثته لأنه غير موثوق به حذرا مما يستحدثه من شبهة فاسدة ، وأجازه آخرون لأنه ربما انكشف بمناظرته وجه الصواب إذ ليس يؤخذ بقوله وإنما يعمل على ما تنتهي إليه المناظرة من وضوح الصحة والفساد .
ولا يعول القاضي على مشاورة الواحد حتى يجمع بين عدد ينكشف بمناظرتهم ما غمض ويتوصل بها إلى ما خفى ولا يقلدهم وإن كانوا عددا حتى يصل إلى علم الحادثة بما يقتضيه الدليل ويوجبه التعليل .