الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص50
ودليلنا قول الله تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) [ النساء : 59 ] ولأن الصحابة اجتهدوا فيما اختلفوا فيه ، ولم يقلد بعضهم بعضا ، مع تفاضلهم في العلم : ولأن معه آلة الاجتهاد لتوصله إلى درك المطلوب فلم يكن له التقليد كالتقليد في التوحيد .
والجواب عن الآية من وجهين :
أحدهما : أنها محمولة على تقليد العامي لأنه قال : ( إن كنتم لا تعلمون ) .
والثاني : أنها محمولة على سؤال المستشار في المذاكرة والكشف .
فلو لم يصل القاضي باجتهاده إلى حكم الحادثة ففي جواز تقليده فيها وجهان :
أحدهما : وهو قول أبي العباس بن سريج يجوز أن يقلد فيها ، للضرورة ، ويحكم لأنه ما من عالم إلا ويجوز أن يشكل عليه أحكام بعض الحوادث .
والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي : لا يجوز أن يقلد في قضائه ويستخلف عليها من يحكم باجتهاده إن ضاق وقت الحادثة لأن الحاكم ملزم فلا يجوز أن يلزم ما لا يعتقد لزومه .
قال الماوردي : وهذا صحيح وهذه شروط من يشاوره القاضي في الأحكام ومجموعها :
إن كل من صح أن يفتي في الشرع صح أن يشاوره القاضي في الأحكام فتعتبر فيه شروط المفتي ولا تعتبر فيه شروط القاضي .
فيجوز أن يشاور الأعمى والعبد والمرأة وإن لم يجز أن يكون كل واحد منهم قاضيا ؛ لأن كل واحد منهم يجوز أن يستفتي ويفتي .
والمعتبر في المفتي شرطان :
أحدهما : العدالة المعتبرة في المخبر دون الشاهد ، لأن الحرية وسلامة البصر يعتبران في الشاهد ولا يعتبران في المفتي والمخبر .
والشرط الثاني : أن يكون من أهل الاجتهاد في النوازل والأحكام .
ويكون من أهل الاجتهاد إذا أحاط علمه بخمسة أصول :