الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص49
والأحكام فمنه ما شاورهم في علامة تكون لأوقات صلواتهم فأشار بعضهم بالناقوس فقال ذلك مزمار النصارى ، وأشار بعضهم بالقرن فقال ذاك مزمار اليهود وأشار بعضهم بالنار فقال ما تصنعون بالنهار وأشار بعضهم بالراية فقال ما تصنعون بالليل حتى أخبره عبد الله بن زيد بما رآه في المنام من الأذان فأخذ به وعمل عليه . وشاور أصحابه في حد الزاني والسارق فقالوا : الله ورسوله أعلم فقال : ‘ هن فواحش وفيهن عقوبات ‘ حتى أنزل الله تعالى فيهما ما أنزل وهذا قول من جعل له اجتهاد رأيه فيها .
فأما غير رسول الله ( ص ) من صحابته ومن بعدهم من سائر أمته فمشاورتهم تعم في مصالح الدنيا وأحكام الدين فما اختص عنها بالدنيا ندب إليه عقلا وما اختص منها بالدين ندب إليه شرعا .
فإذا تقررت هذه الجملة فالقاضي مأمور بالمشاورة في أحكامه وقضاياه .
وهي ضربان :
أحدهما : ظاهر جلي قد حصل الاتفاق فيه ، وانعقد الإجماع عليه ، فلا يحتاج في مثل هذا إلى مشاورة .
والضرب الثاني : نوازل حادثة لم يتقدم فيها قول لمتبوع أو ما اختلف فيه العلماء من مسائل الاجتهاد فهو الذي يؤمر بالمشاورة فيها ، ليتنبه بمذاكرتهم ومناظرتهم على ما يجوز أن يخفي عليه ، حتى يستوضح بهم طريق الاجتهاد فيحكم باجتهاده دون اجتهادهم .
فإن لم يشاور ، وحكم نفذ حكمه ، إذا لم يخالف فيه نصا أو إجماعا أو قياسا جليا غير محتمل .
وليس على أهل الشورى إذا خالفوه في حكمه أن يعارضوه فيه ولا يمنعوه منه إذا كان مسوغا في الاجتهاد .
وقال أبو حنيفة : إن كان أعلم من مخالفه عمل على اجتهاد نفسه ، وإن كان مخالفه أعلم منه عمل على اجتهاد مخالفه : لقول الله : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [ النحل : 43 ] .