الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص48
الأمر ) [ آل عمران : 159 ] قال الحسن إن كان النبي ( ص ) عن مشاورتهم لغنيا ولكنه أراد أن يستن بذلك الحكام بعده ‘ .
قال الماوردي : أما المشاورة فمندوب إليها في الأمور المشتبهة لما أورده الشافعي من كتاب الله تعالى وتفسير الحسن ولسنة نبيه وهو ما روي عن النبي ( ص ) أنه قال ‘ المستشير معان والمستشار مؤتمن ‘ وقد شاور رسول الله ( ص ) أصحابه في أسرى بدر فأشار أبو بكر بالفداء وأشار عمر بالقتل فأخذ رسول الله ( ص ) برأي أبي بكر وفادى فأنزل الله تعالى ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض ) [ الأنفال : 67 ] الآية ، والتي بعدها فقال رسول الله ( ص ) : ‘ لو نزل عذاب من السماء لما نجا منه إلا عمر بن الخطاب ‘ وشاور رسول الله ( ص ) أهل المدينة يوم الخندق في أمرين :
أحدهما : في حفر الخندق حتى اتفقوا عليه .
والثاني : في صلح الأحزاب على ثلث ثمار المدينة فقالوا إن كان الله أمرك بهذا فالسمع والطاعة لأمر الله وإن كان غير ذلك فلا تطمعهم فينا فإنهم في الجاهلية لم يكونوا يصلون إلى ثمره إلا بشراء أو قرى فامتنع وشاور أبو بكر رضي الله عنه الصحابة في الجدة أم الأم وشاور عمر في الجدة أم الأب حتى فرضا لكل واحدة منهما السدس . وشاور عمر في دية الجنين وفي التي أجهضت ما في بطنها ، وشاور عثمان في الأحكام ، وكان علي بن أبي طالب قليل الاستشارة فيها فقيل لأنه لم يبق في عصره عديل يشاوره وقيل لأنه قد كان شاهد استشارة قرينه فاكتفى بها ، وأما استشارة رسول الله ( ص ) فقد كان يشاور في أمور الدنيا ومصالحها .
واختلفوا في استشارته في الدين والأحكام على حسب اختلافهم هل كان لرسول الله الله ( ص ) أن يجتهد رأيه فيه فقال بعضهم : ما استشار في الدين ولا في الأحكام لأن الله تعالى يقول : ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) [ النجم : 423 ] وهذا قول من زعم أنه لم يكن له أن يجتهد رأيه فيها وقال آخرون قد استشارهم في الدين