الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج16-ص31
في مسجده على هذا الوجه وكذلك من قضى من الأئمة بعده ؛ لأن حضورهم في المسجد لم يكن مقصورا على القضاء فيه .
وأما ما عدا هاتين الحالتين أن يجعل المسجد مجلسا لقضائه بين الخصوم فمكروه عند الشافعي .
وقال مالك وأحمد وإسحاق : لا يكره وهو قول الشعبي وعن أبي حنيفة في كراهته روايتان استدلالا برواية الشعبي قال : رأيت عمر بن الخطاب مستندا إلى القبلة يقضي بين الناس .
وقال الحسن دخلت المسجد فرأيت عثمان بن عفان قد ألقى رداءه على كومة خطار ونام عليه وأتاه سقاء بقربته ومعه خصم فجلس عثمان وقضى بينهما . وروي عن علي أنه كان يقضي بين الناس في المسجد .
وإذا كان هذا من فعل رسول الله ( ص ) والأئمة الراشدين من بعده لم يكره .
ودليلنا على كراهته ما رواه ابن بريدة عن أبيه أن رسول الله ( ص ) سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال : ‘ لا وجدتها إنما بنيت المساجد لذكر الله والصلاة ‘ فدل على كراهة ما عداهما فيه .
وروى معاذ أن النبي ( ص ) قال : ‘ جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم ورفع أصواتكم وخصوماتكم وحدودكم وسل سيوفكم وشراءكم وبيعكم ‘ .
وروى سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى القضاة أن لا تقضوا في المساجد .
وسمع عمر رجلا يصيح في المسجد فقال له أتدري أين أنت ؛ ولأن حضور الخصوم لا يخلو من لغط ومنابذة وربما تعدى إلى سب ومشاتمة ، والمساجد تصان عن هذا ولأنه ربما كان في الخصوم جنب وحائض يحرم عليهما دخول المسجد ، ولأن لغط الخصوم يمنع خشوع المصلين ، وسواء صغر المسجد أو كبر .
فأما ما روي عن الصحابة من النظر فيه فإنما كان نادرا على الوجه الذي قدمناه .