الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص477
المقدس ، أو ينذر المشي إلى مسجد المدينة ، وهو مسجد رسول الله ( ص ) ففي انعقاد نذره بالمشي إليهما قولان :
أحدهما : وهو المنقول هاهنا ، والمنصوص عليه في كتاب الأم ، وبه قال أبو حنيفة : أن نذره لا ينعقد به ولا يلزمه المشي إليه لرواية عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه عن جابر بن عبد الله أن رجلاً قال : يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين فقال له النبي ( ص ) ‘ صل هاهنا ثم أعاد عليه فقال صل هاهنا ثم أعاد عليه قال شأنك ‘ إذن فلو وجب هذا النذر ؛ لبدأه ( ص ) بالأمر به ولأنهما لا يجب قصدهما بالشرع ؛ فلم يجب قصدهما بالنذر كسائر المساجد من جميع الأمصار ، فعلى هذا إن لم يقرن بالمشي إليها عبادة سقط حكم النذر ، وإن قرن بالمشي إليها عبادة شرعية من صلاة ، أو صيام ، أو اعتكاف لزمه ما نذر من صلاة أو صيام أو اعتكاف ولم يلزمه نذره في المشي إلى المسجد الأقصى ، ومسجد المدينة ، وجاز أن يصلي ، ويصوم في مسجدٍ ، وغير مسجدٍ ، وجاز أن يعتكف في كل مسجد .
والقول الثاني : نص عليه رحمه الله عليه في كتاب البويطي وبه قال مالك : إن نذره بالمشي إليهما منعقد والوفاء به واجب ؛ لرواية أبي سعيد الخدري أن النبي ( ص ) قال : ‘ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجدٍ المسجد الحرام والمسجد الأقصى ، ومسجدي ‘ هذا فنفى رسول الله ( ص ) شد الرحال وجوباً إلا إليها ؛ فدل على وجوب شدها إلى هذه المساجد الثلاثة ولأنهما قد كانا مقصودين في الشرع بعبادة واجبة .
وأما المسجد الأقصى ؛ فقد كان في صدر الإسلام قبلة يصلي إليه .
وأما مسجد المدينة فقد كان مقصوداً بوجوب الهجرة إليه ؛ ففارقها ما عداهما من سائر مساجد الأمصار في حكم الشرع ؛ ففارقاها أيضاً في حكم النذر .
فعلى هذا لا يخلو نذره في المشي إليها من أن يتضمن عبادة فيه ، أو لا يتضمن عبادة فيه ، فإن لم يتضمن فيه عبادة واقتصر على أن نذر المشي إلى المسجد الأقصى ، ومسجد المدينة ؛ لزمه المشي إليهما ، وفي التزامه فعل العبادة فيهما وجهان :
أحدهما : لا يلزمه غير قصدهما ؛ لأنه لم يلتزم بنذره ، ويكون النذر مقصوراً على التبرر بقصدهما والمشاهدة لهما .
والوجه الثاني : يلزمه في القصد إليهما فعل عبادة فيهما ؛ لأن المساجد إنما تقصد للعبادة دون المشاهدة .
فعلى هذا فيما يلزمه من العبادة فيهما وجهان :