الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص467
أحدهما : وهو قول أبي العباس بن سريج ، وأبي سعيد الإصطخري وأبي علي بن أبي هريرة ، أنه نذر منعقد يجب الوفاء به ، كالمجازاة ؛ لعموم ما قدمناه من ظواهر الكتاب والسنة ولقول الله تعالى حاكياً عن مريم : ( إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي ) ( آل عمران : 35 ) فأطلق نذرها ولم يذكر تعليقه بشرط وجزاء ، فدل على لزوم النذرين في التبرر والمجازاة .
ولقوله تعالى : ( بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ ) ( التوبة : 77 ) فدل على وجوب الوفاء بوعده في الأمرين .
ولقول النبي ( ص ) : ‘ من نذر أن يطيع الله فليطعه ‘ فاستوى فيه حكم النذرين .
ولأنه عقد نذر بطاعة فوجب أن يلزم في المجازاة ، والتبرر ، كالأضحية .
والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وأبي بكر الصيرفي أنه نذر غير منعقد ، والوفاء به واجب تمسكاً بدليل لغة وشرع .
أما اللغة فما حكاه الصيرفي عن ثعلب ، أن النذر عند العرب وعد بشرط فكان عرف اللسان فيه مستعملاً .
وأما الشرع فلاستقرار أصوله على الفرق في اللزوم بين عقود المعاوضات من البيوع والإجارت لأنها لازمة بالعقد وبين عقود غير المعاوضات من العطايا والهبات ؛ لأنها غير لازمة بالعقد فاقتضى أن يكون نذر المعاوضة لازماً بالعقد ، ونذر غير المعاوضة غير لازم بالعقد ، وكلا الاستدلالين مدخول بما قدمناه وعرف اللسان مدفوع بقول جميل بن معمر :
وأما نذر ما ليس بطاعة ، ولا قربة فكقوله : لله علي أن أدخل البصرة أو لا أدخلها ، أو آكل لذيذاً ، أو لا آكله ، أو ألبس جديداً ، أو لا ألبسه فليس في فعل شيء من هذا ولا في تركه طاعة لله تعالى ، ولا قربة إليه ، لأنه قد أباح فعله وتركه فاستوى الأمران في الحكم عنده ، فإن قيل : فقد رويت أن امرأة قالت : يا رسول الله : إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف فقال : ‘ أوف بنذرك ‘ قيل : هو محمول على الإباحة دون الوجوب فعلى هذا لو قال : لله علي أن أتزوج فإن قصد به غض الطرف وتحصين الفرج ، كان قربة ؛ فيكون واجباً في أصح الوجهين ، وإن قصد به الاستمتاع ، والتلذذ كان مباحاً ، فلا يجب على الوجهين .
ثم على قياس هذا في نظائره ؛ فهذا حكم عقد الباب في أصول النذور .