الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص464
أحدهما : أنه كان له مال بالشام خاف هلاكه ، فنذر إن وصل إليه أن يتصدق منه ، فلما قدم عليه بخل به وهذا قول الكلبي .
والثاني : أن مولى لعمر قتل حميماً له فنذر إن وصل إلى الدية أن يخرج حق الله تعالى منها ، فلما وصلت إليه بخل بحق الله تعالى منها وهذا قول مقاتل ، فلما بلغ ثعلبة ما نزل فيه أتى رسول الله ( ص ) وسأله أن يقبل صدقته فقال : ‘ إن الله تعالى منعني أن أقبل منك صدقتك ‘ فحثا القراب على رأسه ، وقبض رسول الله ( ص ) ولم يقبل من صدقته شيئاً ، ثم أتى بعده أبا بكر فلم يقبلها منه ، ثم أتى بعده عمر فلم يقبلها منه ، ثم أتى بعده عثمان ، فلم يقبلها منه ، ومات في أيامه ، وهذا من أشد وعيد ، وأعظم زجر في نقض العهود ، ومنع النذور .
ويدل عليه من السنة ما رواه الشافعي عن مالك عن طلحة بن عبد الملك عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي ( ص ) أنه قال : ‘ من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه ‘ وروى الشافعي عن سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال رسول الله ( ص ) قال الله تعالى : ‘ إن النذر لا يأتي على ابن آدم شيئاً لم أقدره عليه ولكنه شيءٌ أستخرج به من البخيل يؤتيني عليه ما لا يؤتيني على البخل ‘ .
فدل هذا الحديث ، على أن ما يبذله من البر أفضل مما يلتزمه بالنذر .
وروى نافع عن ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن عمر قال : يا رسول الله ( ص ) إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له رسول الله ( ص ) : ‘ أوف بنذرك ‘ ؛ ولأن ضمان الحقوق نوعان : حق لله تعالى ، وحق للآدميين ، فلما جاز أن تتبرع بالضمان في حقوق الآدميين ، جاز أن تتبرع لضمان في حقوق الله تعالى .
فأما المجازاة : فهو ما عقده الناذر على نفسه من طاعة يفعلها مجازاة على ما يرجو من نفع ، أو يستدفعه من ضرٍ فجعله شرطاً وجزاء .
فالشرط ما طلب والجزاء ما بذل ، والشرط المطلوب على ثلاثة أضرب : طاعة ومباح ومعصية .