الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص453
أحدها : أن يعلم وصول جميعها إلى بدنه ، فيكون باراً .
والحال الثانية : أن يعلم أن بعضها لم يصل إلى بدنه ، فلا يكون باراً .
والحال الثالثة : أن يشك هل وصل جميعها أو لم يصل ، فمذهب الشافي أنه يكون باراً ؛ لأن الظاهر من وقوعها علىالبدن أنه لم يحل عنه حائل ، فحمل على البر في الظاهر ، ولم يحنث بالشك .
وقال أبو حنيفة والمزني : لا يبر بشكه في البر .
واستدل المزني بما قاله الشافعي فيمن حلف ليفعلن كذا الوقت إلا أن يشاء فلان ، فإن مات فلان أو غاب ، حتى مضى الوقت حنث ، فلم يجعله بالشك في المشيئة باراً فكيف جعله بالشك في وصول الضرب باراً ؟ .
والجواب عنه أنه جعل المشيئة شرطاً في حل اليمين ، وقد انعقدت فلم تخل بالشك مع عدم الظاهر فيه ، وجعل وصول الضرب شرطاً في البر ، فلم يحنث بالشك ؛ اعتباراً بالظاهر فيه . والله أعلم .
وقال مالك : وصول الألم شرط في البر ، فن لم يألم به حنث استدلالاً بأمرين :
أحدهما : أن مقصود الضرب بتأثيره ، وما لا ألم فيه لا تأثير له .
والثاني : أنه لما كان الألم في ضرب الحدود شرطاً فيه وجب أن يكون في الأيمان شرطاً فيها حملاً لإطلاقها على عرف الشرع .
ودليلنا أمران : احتجاجاً ، وانفصالاً :
أحدهما : أن رسول الله ( ص ) جمع لضرب المقعد عتكالاً ، ليدفع عنه الألم ، ويستقر به الحكم .
والثاني : أن الأيمان محمولة على الأسامي دون المعاني ، فجاز الاقتصار فيها على مجرد الضرب دون الألم بحصول الاسم ، والحدود أحكام تتعلق بالأسماء والمعاني ، فجاز أن يقترن بالاسم مقصوده من الألم .
فأما إن كان عليه لباس يمنع من وصول الضرب إلى بشرة بدنه اعتبر حاله ، فإن كان كثيفاً يخرج عن العرف ، ويمنع من الإحساس ، بالضرب لم يبر ، وإن كان مألوفاً لا يخرج عن العرف ، ولا يمنع من الإحساس بالضرب بر وإن لم يألم ، والله أعلم .