الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص447
من الكلام الذي نهيت عنه ، ولأن كلامه مختص بجارحة لسانه ، وكلام الرسول بلسان غيره ، والكتاب من أفعال يده ، فصار كلامه مخالفاً لرسالته ، وكتابه مخرجاً عن حكم كلامه ، ولأن الأيمان محمولة على الأسامي دون المعاني والأسماء في ذلك مختلفة فوجب أن يكون في أحكام الأيمان مختلفة ، وإن استدل المزني بما حكاه عن الشافعي بأن الهجرة محرمة فوق ثلاث ، لقول النبي ( ص ) : ‘ لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ . والسابق أسبقهما إلى الجنة ‘ .
قال : فلو كتب أو أرسل إليه ، وهو يقدر على كلامه لم يخرجه هذا من الهجرة التي أثم بها .
واختلف أصحابنا فيه على وجهين :
أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه على ظاهره ، أنه لا يخرج برسوله وكتابه عن مأثم الهجرة ، فيكون دليلاً في المسألة .
والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنه يخرج من مأثم الهجرة كالكلام ، وإن لم يكن كلاماً ، لأن مقصود الكلام في الهجرة نفي ما بينهما من الوحشة ، وعودهما إلى ما كانا عليه من الأنسة ، فقام ذلك مقام الكلام في الهجرة اعتباراً بمعنى ولم يقم مقام الكلام في اليمين اعتباراً بالاسم ، لما ذكرنا من حمل الأيمان على الأسامي ، وحمل الأحكام على المعاني .
فأما الجواب عن الآيتين ، فهو من الاستثناء المنقطع بمعنى لكن ، فجاز أن يعود إلى غير جنسه ، كقوله تعالى : ( لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالُكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) ( النساء : 29 . معناه : لكن كلوه بتجارة .
فأما الاستدلال فقد تقدم الانفصال عنه بأن الأيمان محمولة على الأسامي دون المعاني .