الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص443
فأما عرف الاختيار ، فكالبوادي يقتاتون ألوان الحبوب وسكان جزائر البحار يقتاتون لحوم الصيد ، وسكان تلك الجبال يقتاتون لحوم الصيد ، فيحنث كل قوم منهم بأكل عرفهم في أقواتهم ، ولا يحنثون بعرف غيرهم ؛ لخصوصه في عرفهم ، ويحنثون بالعرف الشرعي ؛ لعمومه فيهم ، ولا يحنث غيرهم بعرفهم لخصوصه فيهم .
وأما عرف الاضطرار فكأهل الفلوات يقتاتون الحشيش في زمان الجدب ، ويقتاتون الألبان في غيرها في زمان الخصب ، فيحنثون في زمان الجدب بقوتهم في الجدب والخصب ، ويحنثون في زمان الخصب بقوتهم في الخطب دون الجدب ويكون عرف الزمان معتبراً كما كان عرف المكان معتبراً .
ولو حلف لا يأكل طعاماً حنث بكل مطعوم من قوت وإدام وفاكهة وحلوى ، لأن جميعها مطعومة ، فانطلق اسم الطعام عليها ، ولا يحنث بأكل الدواء ، وإن كان مطعوماً ؛ لأن اسم الطعام لا ينطلق عليه .
وحكي عن محمد بن الحسن أنه لا يحنث في الطعام إلا بأكل الحنطة وحدها اعتباراً باسمه عرفاً ، وهذا فاسد لقول الله تعالى : ( كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لَبَنِي إسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلَ عَلَى نَفْسِهِ ) ( آل عمران : 93 ) . يريد كل مطعوم فصار اسم الطعام في الشرع منطلقاً على كل مطعوم ، وفي العرف منطلقاً بالعراق على الحنطة ، فكان حمله على عرف الشرع أولى . . . فإن كانت له نية حمل في جميع ما ذكرنا على نيته .
ولو حلف لا أكلت مستلذا حنث بما يستلذه غيره ؛ لأن المستلذ من صفات المأكول ، واللذيذ من صفات الأكل .