الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص419
فإذا حلف لا آكل سمناً ، فله في أكله حالتان :
أحدهما : أن يأكله منفرداً .
والثانية : أن يأكله مع غيره .
فإن أكله منفرداً ، وكان جامداً حنث ، وإن كان ذائباً لم يحنث ، لأنه يكون للجامد آكلاً ، وللذائب شارباً .
وإن أكله مع غيره من خبز أو سويق أو في عصيدة ، فقد اختلف أصحابنا في حنثه على ثلاثة أوجه :
أحدها : وهو قول أبي سعيد الإصطخري أنه لا يحنث إذا خلطه بغيره ، سواء كان جامداً أو ذائباً ، ولم يطلق عليه اسم الأكل إلا بانفراده ، وأجراه مجرى قوله : والله لا أكلت طعاماً اشتراه زيد ، فاشترى زيد وعمرو طعاماً ، فأكله لم يحنث .
والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه إن كان جامداً لم يحنث بأكله مع غيره ، وإن كان ذائباً حنث بأكله مع غيره ، لأنه يقدر على أكل الجامد منفرداً ، ولا يقدر على أكل الذائب إلا مع غيره .
والوجه الثالث : وهو مذهب الشافعي ، وما عليه جمهور أصحابه أنه يحنث بأكله مع غيره إذا كان ظاهرا فيه ، كما يحنث بأكله منفرداً ، سواء كان جامداً أو ذائباً ، لأن اختلاط ما حلف عليه بما لم يحلف عليه لا يمنع من وقوع الحنث به ، كما لو حلف : لا أكلم زيداً ، فكلم جماعة هو فيهم حنث ، وكما لو حلف : لا آكل طعاماً اشتراه زيد ، فاشترى زيد طعاماً ، واشترى عمرو طعاماً ، فخلطهما وأكلهما ، حنث كذلك السمن إذا خلطه بغيره حنث بأكلهما .
وعلى هذا يكون التفريع ، فإذا أكل السمن مع غيره ، فجعله عصيداً ، أو بل فيه خبزاً أو لت فيه سويقاً ، فله أربعة أحوال :
أحدها : أن يظهر فيه طعمه إذا أكل أو يظهر فيه بياض لونه إذا ثرد ، فيحنث بأكله لظهور صفتي السمن من طعم ولون .
والحال الثانية : أن لا يظهر فيه طعمه إذا أكل ، ولا يظهر فيه لونه إذا ثرد ، فلا يحنث بأكله ، لأن السمن قد صار بعدم الصفتين مستهلكاً .
والحال الثالثة : أن يظهر فيه طعمه إذا أكل ، ولا يظهر فيه لونه إذا يرد ، فلا يحنث بأكله ، لأن يمينه مستهلكة ، فلم يحنث بطعمه .
والحال الرابعة : أن يظهر فيه لونه إذا ثرد ، ولا يظهر فيه طعمه إذا أكل ، فيحنث بأكله ، لبقاء عينه ، فلم يؤثر فقد طعمه .