الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص393
منهم من يرى أن قوله : ‘ إلا بإذني ‘ استثناء يوجب خروج المستثنى ، ولا يتعلق به بر ولا حنث ، وبره بأن يكون لا تخرج ، وحنثه يكون بأن تخرج بغير إذن ، ليكون باراً من وجه واحد ، وحانثاً من وجه واحد به ، ولا يكون باراً من وجهين : وحانثاً من وجه ، كمن قال لزوجته : إن كلمت زيداً ، فأنت طالق كان بكلامها لزيد حانثاً ويترك كلامه باراً ، وبكلامها لغيره غير بار ، ولا حانث ، وهذه أشبه بطريقة المحققين منهم ، وهي فاسدة من وجهين :
أحدهما : أن يمينه تضمنت منعاً ، وتمكيناً ، فالمنع خروجها بغير إذن ، والتمكين خروجها بإذن .
فلما حنث بالجمع وجب أن يبر بالتمكين ، لأن كل واحد منهما قد تضمنته اليمين ، وخالف ما استشهد به من يمينه على كلامها لزيد ، لأن كلامها لغيره لم يدخل في يمينه من منع ولا تمكين ، فلم يتعلق به بر ولا حنث .
والثاني : أن البر والحنث يتعلقان في الأيمان بشيء واحد ، فإن كانت على إثبات كقوله : والله لأدخلن الدار ، كان بره بدخولها ، وحنثه بأن لا يدخلها . وإن كانت على نفي كقوله : والله لا دخلت الدار كان بره بأن لا يدخلها . وحنثه بأن يدخلها .
فلما كان حنثه في قوله : إن خرجت إلا بإذني ، فأنت طالق ، يكون بخروجها بغير إذنه وجب أن يكون بره بخروجها بإذنه ، فنثبت بهذين المعنيين فساد هذه الطريقة .
والطريقة الثانية لهم أن يسلموا وقوع البر بالخروج بإذن كما أن وقوع الحنث بالخروج بغير إذن ، ويستدلوا على وجوب تكرار البر ، وإن لم يتكرر الحنث بأمرين :
أحدهما : إنما انعقد الإجماع عليه في قوله لزوجته : إن خرجت من الدار إلا راكبة فأنت طالق ، أن البر يتكرر ، والحنث لا يتكرر ، ويلزمها أن تخرج في كل مرة راكبة ، وإن خرجت مرة غير راكبة حنث وسقطت اليمين وإن خرجت مرة راكبة بر ولم تخل اليمين ، ولزمها الخروج بعد هذا البر راكبة أبداً . كذلك ما اختلفنا فيه من قوله : إن خرجت إلا بإذن ، فأنت طالق ، فخرجت مرة بإذنه ، لم تخل اليمين ، ولزمها أن تخرج كل مرة بإذنه .
ولو خرجت مرة بغير إذنه حنث ، وسقطت اليمين ، فيكون الإجماع في اشتراط الركوب دليلاً على الخلاف في اشتراط الإذن ، إذ ليس بين الشرطين فرق في الحكم .
والثاني : أنه لما كان البر يترك الخروج مؤبداً ، والحنث بالخروج من غير إذن مقيداً وجب أن يكون البر بالخروج بالإذن متكرراً وإن لم يكن الحنث بالخروج بغير إذن متكرراً .