الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص383
والثاني : أن إجماعنا منعقد على أنه لو حلف لا شربت من البئر ، ولا أكلت من النخلة أنه يحنث بشرب ما استقاه من البئر ، ويأكل ما لقطه من النخلة ، وإن لم يكرع ماء البئر بفمه ، ولا تناول ثمرة النخلة بفمه ، كذلك الدجلة .
وتحريره قياساً : أن ما كان حنثاً في ماء البئر كان حنثاً في ماء الدجلة قياساً على أصلين :
أحدهما : إذا كرع منهما .
والثاني : إذا تلفظ باسم الماء فيهما .
فإن قيل : ماء البئر لا يمكن أن يشرب إلا باستقائه وثمر النخلة لا يمكن أن يؤكل إلا بلقاطه .
قيل : يمكن أن يشرب ماء البئر بنزوله إليها ، ويؤكل من النخلة بصعوده إليها ، وإن كان تلحقه المشقة كما يمكن أن يكرع من الدجلة بالمشقة .
والثالث : أن حقيقة الدجلة اسم لقرارها ، والحقيقة في هذا الاسم معدول عنها من وجهين :
أحدهما : أن القرار غير مشروب .
والثاني : أن ما باشر القرار لا يصل إلى كرعه لعمقه وإذا سقط حقيقة الاسم من هذين الوجهين وجب العدول إلى مجازه ، وهو الماء ، لأن اسم الدجلة حقيقة في قرارها ، ومجاز في مائها ، والمجاز المستعمل أولى من الحقيقة المتروكة .
فأما الجواب عن استدلاله إذا حلف لا يشرب من هذا الإناء فهو أن الإناء آلة للشرب ، فصارت اليمين معقودة عليه ، وليست الدجلة آلة للشرب ، فصارت اليمين معقودة على مائها ، ألا تراه إذا قال : والله لا شربت من هذه الناقة حنث إذا شرب من لبنها ، وإن لم يمتصه من أخلاف ضروعها .
ولو قال : والله لا شربت من هذا الإناء فشرب من لبن الإناء بعد إخراجه منه لم يحنث . وأما الجواب عن استدلالهم بأن الشرب منها حقيقة ، ومن مائها مجاز ، فهو ما قدمناه من أن المجاز المستعمل أولى من الحقيقة المتركة والله أعلم بالصواب .