پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص381

من ماء الإداوة قطرة انحلت اليمين لأنه لا حنث فيها إن شرب باقي مائها ، فلو شك أذهب منها قطرة أو لم يذهب ، فشرب جميع مائها ، ففي حنثه وجهان :

أحدهما : يحنث ، لأن ذهاب القطرة مشكوك فيه .

والوجه الثاني : لا يحنث ، لأت الحنث مشكوك فيه .

فصل

: فأما إذا حلفت لا شربت ماء هذا النهر ، فقد قال الشافعي رضي الله عنه : لا سبيل إلى شرب ماء النهر كله ، ولم يتعرض لبره ولا لحنثه فيما شرب منه ، فاختلف أصحابنا في شربه منه على وجهين :

أحدهما : وهو قول أبي العباس بن سريج بحنث بما شرب منه ، لأنه لما استحال شرب جميعه ، صارت اليمين معقودة على ما لا يستحيل لأن لا يصير بيمينه بعد العقد لغواً .

ألا تراه لو قال : والله لا شربت الماء حنث بشرب ما قل منه ، وإن كان دخول الألف واللام يقتضي استيعاب جميعه ، لأنه لما كان شرب جميعه من المستحيل ، حمل على شرب ما لا يستحيل ، كذلك ماء النهر لما استحال شرب جميعه ، حمل على ما لا يستحيل من شرب بعضه ، وتأول قول الشافعي رضي الله عنه ولا سبيل إلى شرب ماء النهر كله على حمل يمينه على ما يجد السبيل إليه ، وهو أن يشرب من ماء النهر ، فعلى هذا : أي شيء شرب من مائه حنث به مما يروي أو لا يروي .

والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، ويشبه أن يكون هو الظاهر من مذهب الشافعي أنه لا يحنث بشرب شيء من مائه ، لأن يمينه توجهت إلى شرب جميعه ، لأنه عقدها على ماء النهر ، ولم يطلق فصار النهر مقداراً كالإداوة وليس إذا استحال شرب الجميع وجب أن يحمل على شرب ما لا يستحيل .

ألا تراه لو حلف لأصعدن السماء ، وهو مستحيل لم يحمل على صعود السقف ، وقد يسمى سماءً ، لأنه غير مستحيل ، ووجب حمل يمينه في صعود السماء على الحقيقة دون المجاز كذلك في شرب ماء النهر فأما إذا قال : لا شربت الماء ، والألف واللام لفظ تعريف وضع لاستيعاب الجنس تارة وللمعهود أخرى وهو حقيقة فيهما ، فإذا استحال استيعاب الجنس حمل على المعهود ، وكان حقيقة فيه ، وفارق ماء النهر لأن الاسم حقيقة في جميعه ومجاز في بعضه ، وتأول قول الشافعي : ‘ ولا سبيل إلى شرب ماء النهر كله ‘ بسقوط حنثه .

ثم يتفرع على هذين الوجهين في النفي أن يعقد بيمينه على الإثبات فيقول : والله لأشربن ماء هذا النهر ، فعلى مقتضى قول أبي العباس : متى شرب بعض مائه بر ، لأنه