الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص380
وقال لبعض أصحابه ، وهو في المسجد الحرام : لقد أنزلت عليّ آية لم تنزل على أحدٍ قبلي إلا على أخي سليمان ، قال : يا رسول الله ، أي آية هي ؟ قال : لا أخرج من المسجد حتى أعلمك فتوجه للخروج ، وقدم إحدى رجليه فأخرجها ثم قال للرجل : بم تستفتح صلاتك قال : ببسم الله الرحمن الرحيم ، قال : ‘ هي ، هي ‘ .
فدل على أن إخراج إحدى رجليه لا يكون خروجاً ، وإذا كان بعض الفعل لا يقوم مقام جميع الفعل ، فأحد الفعلين أولى أن لا يقوم مقام الفعلين .
والثاني : أنه لما استوى الفعلان في شرط البر وجب أن يستويا في شرط الحنث ، لتردد اليمين بين بر وحنث ؟ وفرقاه بينهما منتقضٌ بفعل بعض الشيء حيث لم يقم مقام جميعه في الإثبات والنفي معاً مع وجود الحظر والإباحة فيهما .
قال الماوردي : أما إذا حلف لا شربت من ماء هذه الإداوة ، ولا شربت من ماء هذا النهر ، فاليمين معقودة على بعض ماء الإداوة وبعض ماء النهر ، لدخول حرف التبعيض عليها ، وهو قوله : ( من ) فأي قدر شرب من ماء الإداوة وماء النهر حنث من قليل وكثير ، وكذا في الإثبات لو حلف ليشربن من ماء هذه الإداوة أو من ماء هذا النهر ، فأي قدر شرب منهما من قليل أو كثير بر في يمينه ارتوى به أو لم يرتو .
فأما إذا حذف من يمينه حرف التبعض فأطلقها ، فقال : والله لأشربن ماء هذه الإداوة لم يحنث بشرب بعضه ، وإن حنثه مالك ، لأن الحقيقة في إطلاق اليمين توجب الاستيعاب فإن قيل : أفليس لو قال : والله لا أكلت طعاماً اشتراه زيد ، فأكل بعضه حنث ، فهلا حنث بشرب بعض الماء ، كما حنث بأكل بعض الطعام .
قيل : لا يختلف المذهب أنه لا يحنث بشرب بعض الماء وفي حنثه بأكل بعض الطعام وجهان :
أحدهما : أنه كما لا يحنث بأكل بعضه فعلى هذا قد استويا .
والوجه الثاني : وهو اختيار أبي علي بن أبي هريرة ، أنه يحنث بأكل بعض الطعام ، وإن لم يحنث إلا بشرب جميع الماء ، والفرق بينهما أن الماء في الإداوة مقدار ينطلق على جميعه ، ولا ينطلق على بعضه ، فلذلك لم يحنث بشرب بعضه وشراء زيد للطعام صفة تنطلق على بعضه ، كما تنطلق على جميعه ، فلذلك حنث بأكل بعضه ، فإذا ثبت أن الحنث في الإداوة يقع بشرب مائها كله ، ولا يحنث بشرب بعضه ، فذهب