الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص379
النكاح والطلاق والعتاق فقد اختلف أصحابنا هل يعتبر حكم عرفه أو يعتبر ما تستنكره النفوس من فعله ، على وجهين :
أحدهما : يعتبر حكم عرفه ، لأنه أخص به ، فعلى هذا في حنثه قولان :
والوجه الثاني : يعتبر ما لا تستنكره النفوس من فعله ، لأنه أعم فعلى هذا لا يحنث قولاً واحداً ، والله أعلم .
قال الماوردي : عقد اليمين على فعلين ضربان :
أحدهما : أن يعقد على إثباتهما .
والثاني : أن يعقد على نفيهما .
فإن كانت معقودة على إثباتهما كقوله : والله لآكلن هذين الرغيفين ، ولألبسن هذين الثوبين ، ولأركبن هاتين الدابتين ، فلا خلاف بين القضاء أنه لا يبر إلا بفعلهما فيأكل الرغيفين ، ويلبس الثوبين ويركب الدابتين فإن أكل إحدى الرغيفين ولبس أحد الثوبين وركب إحدى الدابتين لم يبر ، وهذا متفق عليه ، وإن كانت اليمين معقودة على نفي فقال : والله لا أكلت هذين الرغيفين ، ولا لبست هذين الثوبين ، ولا ركبت هاتين الدابتين ، فمذهب الشافعي وأبي حنيفة أنه لا يحنث إلا بهما ، كما لا يبر إلا بهما ، فإن أكل أحد الرغيفين ، ولبس أحد الثوبين ، وركب إحدى الدابتين لم يحنث .
وقال مالك : يحنث بفعل أحدهما ، وإن لم يبر إلا بهما وفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن الإثبات إباحة ، والنفي حظرٌ ، والحظر أغلب من الإباحة .
والثاني : أن الأيمان موضوعة على التغليظ ، والتغليظ في النفي أن يحنث بأحدهما ، وفي الإثبات أن لا يبر إلا بهما ، وهذا فاسد من وجهين :
أحدهما : أن فعل بعض الشيء لا يقوم مقام فعل جميعه في النفي والإثبات معاً وفاقاً وشرعاً ، لأنه لو حلف لا يدخل هذه الدار ، فأدخل رأسه أو إحدى رجليه لم يحنث .
ولو حلف ليدخلنها ، فأدخل رأسه أو إحدى رجليه لم يبر وهذا وفاق قد ورد به الشرع ، قد اعتكف رسول الله ( ص ) في مساجده فأدخل رأسه منه إلى حجرة عائشة رضوان الله عليها لتغسله ، ولم يؤثر في اعتكافه .