الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص369
ذلك في يومه فإن كان طعاماً قد أكله حنث ، إذا لا سبيل له أن يأكله في غده إلا أن حنثه لا يقع إلا في غده ، وهل يتعلق حنثه بطلوع فجره أو بغروب شمسه ، على وجهين :
أحدهما : يحنث بطلوع فجره ، لأنه أول وقت البر فيما فات ، فأشبه الصلاة التي يكون خروج وقتها دليلاً على وجوبها بأوله .
والوجه الثاني : أنه يحنث بغروب شمسه لبقاء زمان البر قبل الغروب فلم يتعلق به حكم الفوات كأوله ، فأما إن كان المحلوف عليه دابة إن ركبها في غده أو ثوباً يلبسه فيه لم يحنث بركوب الدابة ولبس الثوب في يومه لإمكان ذلك في غده فإن ركب وليس في غده فيما بين طلوع فجره وغروب شمسه بر في يمينه ، وإن لم يفعل حنث بغروب الشمس وجهاً واحداً ، لأن إمكان الفعل يمنع من القطع بالحنث .
وأما القسم الثالث : وهو أن يؤخر فعل ذلك عن وقته ، فإن أخره عامداً حنث ، وإن أخره ناسياً ففي حنثه قولان :
أحدهما : يحنث .
والثاني : لا يحنث ، ولا يلزمه فعله بعد فوات وقته ، فلو أكل بعض الطعام في يومه وباقيه في غده حنث لأن إكمال الأكل في غده شرط في بره .
وأما القسم الرابع : وهو أن يفوته فعل ذلك في وقته ، فهذا على أربعة أضربٍ :
أحدها : أن يفوت ذلك بموت الحالف قبل الغد فلا حنث عليه لزوال تكليفه بالموت .
والضرب الثاني : أن يفوته ذلك باستهلاكه له قبل غده باختياره فيحنث في غده قولاً واحداً ، لأنه قد كان قادراً على فعله في الغد .
والضرب الثالث : أن يتلف قبل غده بفعل غيره ففي حنثه قولان لزوال قدرته وعدم مكنته .
والضرب الرابع : أن يفوته فعله مع بقاء ذلك ووجوده إما بحبس أو إكراه أو مرض ، فيكون حنثه على قولين كالمكره فأما إن قدر على فعله في غده فلم يفعله مع القدرة حتى تلف في بقية غده ، فقد اختلف أصحابنا ، هل يجري على فواته فيه حكم المختار أو حكم المكره على وجهين :
أحدهما : يجري عليه حكم المختار لإمكان فعله في وقته ، فعلى هذا يحنث قولاً واحداً .