الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص352
بدويا حنث بسكناها ، لانطلاق اسم الحقيقية عليها ووجود عرف الاستعمال فيها ، وإن كان الحالف قروياً ، فقد اختلف أصحابه هل يحنث بسكناها ؟ على وجهين :
أحدهما : وهو قول ابن سريج لا يحنث بسكناها ، إذا كان قروياً لم تجر عادته بسكناها ، وحمل كلام الشافعي على أهل قرى عربية ، يسكن أهلها بيوت المدر تارة ، وبيوت الشعر أخرى ، فأما من لا يسكن إلا بيوت المدر فلا يحنث بسكنى بيوت الشعر والأدم وبه قال أبو حنيفة لخروجها عن العرف والعادة ، كما لو حلف لا يأكل رؤوساً ، لم يحنث برؤوس الطير والجراد ، حتى يأكل رأي النعم من الإبل ، والبقر ، والغنم وإن انطلق اسم الحقيقة على جميعها اعتباراً ، بالعرف والعادة ، وكذلك لو حلف لا يأكل بيضاً لم يحنث ببيض السمك والجراد ، وإن انطلق اسم البيض عليها حقيقة ، حتى يأكل من البيض ما فارق بائضه حياً اعتباراً بالعرف .
والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، وأكثر المتأخرين أنه يحنث القروي بسكناها ، كما يحنث البدوي لأمرين :
أحدهما : انطلاق اسم الحقيقة عليها .
والثاني : اقتران عرف الاستعمال فيها ، وإن خرجت عن عادة الحالف لوجودها في غيره كما حنث البدوي بسكنى بيوت المدر .
وإن خرجت عن عادته ، لوجودها في غيره ، وكما لو حلف عراقي من أهل اليسار ، أن لا يأكل خبزاً حنث بخبز الذرة ، والأرز ، وإن خرج عن عرفه وعادته ، لوجودها في غيره فلا يعتبر في الأيمان عادة الحالف إذا وجدت في غيره ، ويعتبر في الوكالة عادة الموكل دون غيره ، فإذا وكله في شراء الخبز ، وعادته أكل البر فاشترى له حب الأرز لم يلزمه ، ولو حلف لا يأكل الخبز وعادته أكل البر فأكل حب الأرز حنث .
قال الماوردي : وهو كما قال ، إذا حلف لا يأكل طعاماً اشتراه زيد ، فاشترى زيد وعمرو طعاماً صفقة واحدة ، فأكل منه لم يحنث .
وقال أبو حنيفة : يحنث احتجاجاً بأمرين :
أحدهما : أنه قد أكل طعاماً قد اشتراه زيد ، وعمرو ، فوجب أن يحنث كما لو اشترياه في صفقتين .