الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص341
والثالث : أنه مخير بين التكفير بالمال أو بالصيام . مسألة قال الشافعي : ‘ ولو وجبت عليه ونصفه عبدٌ ونصفه حرٌّ وكان في يديه مالٌ لنفسه لم يجزئه الصوم وكان عليه أن يكفر مما في يديه لنفسه ( قال المزني ) رحمه الله إنما المال لنصفه الحر لا يملك منه النصف العبد شيئاً فكيف يكفر بالمال نصف عبدٍ لا يملك منه شيئاً فأحق بقوله أنه كرجلٍ موسرٍ بنصف الكفارة فليس عليه إلا الصوم وبالله التوفيق ‘ .
قال الماوردي : قال المزني : إذا حنث عن نصفه حر ونصفه عبد لم يخل حاله من أن يكون بنصفه الحر موسراً أو معسراً فإن كان معسراً ففرضه التكفير بالصيام ، لأنه لما صام بالإعسار مع كمال حريته كان صيامه مع تبعيض الحرية أولى ، وإن كان بنصفه الحر موسراً فقد قال الشافعي هاهنا : كفر بالمال فقلب حكم الحرية على حكم الرق في الكفارة ، وإن كان يغلب حكم الرق على حكم الحرية في النكاح والطلاق والنفقة والميراث والشهادة . فاختلف أصحابنا في كفارته على ثلاثة أوجه :
أحدها : وهو قول طائفة منهم أنه يكفر بالمال على قوله في القديم أنه يملك إذا ملك وعليه خرج الجواب فأما على قوله في الجديد : إنه لا يملك إذا ملك فلا يكفر إلا بالصيام .
والوجه الثاني : قاله المزني وساعده غيره من أصحابنا أنه لا يكفر إلا بالصيام على القولين معاً ، وأن ما ذهب إليه الشافعي من تكفيره بالمال مخالف لأصوله من وجهين :
أحدهما : أنه لما غلب فيما عدا الكفارة حكم الرق على الحرية وجب أن يكون كذلك في الكفارة .
والثاني : ما ذكره المزني من أن نقصان المكفر إذا كان بعضه حراً مملوكاً كنقصان التكفير ، إذا وجد بعض الإطعام وعدم بعضه ، فوجب أن يكون عجزه ببعض بدنه مع قدرته على جميع الكفارة كعجزه عن بعض الكفارة مع قدرته بجميع بدنه .
والوجه الثالث : وهو ظاهر المذهب وما عليه جمهور أصحابنا ، أنه لا يكفر إلا بالمال على القولين ، معاً تغليباً لحكم الحرية على الرق وإن غلب حكم الرق على الحرية في غير الكفارة ، استدلالاً بقول الله تعالى ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامٌ ) ( المائدة : 89 ) وهذا واحد فلم يجزه الصيام ، ولأن تكفير الحر الموسر بالمال وتكفير العبد القن بالصوم ، فلم يخل حال من تبعضت فيه الحرية والرق من ثلاثة أحوالٍ ، إما أن يغلب حكم الحرية من تكفير بالمال ، أو يغلب حكم الرق في تكفيره