الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص292
عبد الرحمن إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر ثم ائت الذي هو خيرٌ ‘ . فجوز في هذين الحديثين تعجيل الكفارة قبل الحنث .
فإن قيل : فقد روى فيها وفي الخبر المتقدم تأخير الكفارة عن الحنث فعنه جوابان :
أحدهما : أن تقديم الكفارة أشهر من تقديم الحنث .
والثاني : أننا نستعمل الروايتين معاً ، فنحمل تقديم الكفارة على الجواز تأخيرها على الوجوب ، ونستعملها على وجه ثانٍ أن يحمل تقديمها على التكفير بالمال ، وتأخيرها على التكفير بالصيام . فتكون باستعمال الخيرين أسعد ممن استعمل أحدهما وأسقط الآخر .
ومن القياس ما يوافق عليه أبو حنيفة أنه لو جرح إنساناً وعجل كفارة قتله بعد جرحه وقبل موته أجزأه ، وكذلك لو جرح المحرم صيداً لو قدم جزاءه بعد جرحه وقبل موته أجزأه ، فجعل هذا معه أصلاً للقياس فنقول : يكفر لتعلق وجوبه بسببين فجاز تقديمه بعد وجود أحدهما قياساً على كفارة وجزاء الصيد ، ولأنه يكفر بمال بعد عقد اليمين فوجب أن يجزئه قياساً على ما بعد الحنث .
ولأنه حق مالٍ يجب بسببين يختصان فه فجاز تقديمه على أحدهما قياساً على تعجيل الزكاة ، فإن منعوا من وجوبها بسببين دللنا على وجوبها بالحنث واليمين لقول الله تعالى : ( وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَدْتُمْ الأَيْمَانَ ) ( المائدة : 89 ) وبقوله : ( ذَلِكَ كَفَّارَةٌ أيْمَانِكُمْ ) ( المائدة : 89 ) فجعلها تكفيراً لليمين فلم يجز أن يخرج من شرط الوجوب ، ولأن الكفارة حكم متعلق بالحنث فوجب أن يتعلق باليمين كما لو قال : إن دخلت الدار فعبدي حرٌّ كان عتقه متعلقاً بيمينه بدخول الدار ، وإن منع أصحاب أبي حنيفة من تعليق عتقه بيمينه وبدخول الدار ، وارتكبوا أن عتقه مختص بدخول الدار وحده منعوا من ارتكاب هذه الدعوى بما لا يدفعونه من أصل أبي حنيفة في هذا العبد إذا ادعى العتق باليمين والحنث ، فأنكره السيد فأقام العبد عليه شاهدين باليمين وشاهدين بالحنث وحكم الحاكم بعتقه ، ثم رجع شاهد اليمين وشاهدا الحنث قال أبو حنيفة : تجب قيمته على شاهدي اليمين خاصة نصفين وعندنا تجب على شاهدي اليمين وشاهدي الحنث أرباعاً ، فقد جعل عتقه باليمين أخص من الحنث ، فكانت الأيمان بالله أولى .
وأما الجواب عن الخبر فقد مضى .
وأما الجواب عن القياس على تعجيل الصيام فهو أن الصيام من حقوق الأبدان