پایگاه تخصصی فقه هنر

الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص289

ابن عباس وعائشة وعطاء ، وأكثر التابعين استدلالاً بقول الله تعالى : ( لاَ يُؤَاخِذُكُمْ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذْكُمْ بَمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) ( البقرة : 225 ) فدل على أن ما لم يقصده بقلبه لم يؤاخذ به وقال : ( وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَدْتُمْ الأَيْمَانَ ) ( المائدة : 89 ) فدل على أن ما لم يعقده بعزمه لم يؤاخذ به ، ولما رواه الشافعي عن عائشة في صدر الباب ، وقد رواه حسان بن إبراهيم عن عطاء عن عائشة أن رسول الله ( ص ) قال في لغو اليمين : ‘ هو كلام العرب ، لا والله ، وبلى والله ‘ .

وروى طاوس عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( ص ) : ‘ لا يمين في غضبٍ ‘ فأسقط اليمين في الغضب لسبق اللسان بها وعدم القصد لها ؛ ولأن لغو الكلام عند العرب ما تجرد عن غرض ، وعرى عن قصد وكان من البوادر والملغاة كما قال الله تعالى : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ ) ( القصص : 55 ) فكان ما ذهب إليه الشافعي تقتضيه اللغة فيه مع ما قارنه من محايل الشرع .

( فصل : )

فإذا ثبت ما ذكرنا من لغو اليمين لم تخل اليمين مع أن تكون بالله تعالى أو بغيره ، فإن كانت بالله تعالى سبق بها لسانه وجرت بها عادته ، فقال : لا والله ، أو قال : بلى والله غير قاصد لعقد يمين فلا مأثم عليه ولا حنث ، ولو نزه لسانه منها كان أولى ، لئلا يجعل اسم الله تعالى عرضةً ليمينه ، وقد قال تعالى : ( وَلاَ تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ ) ( البقرة : 224 ) فأما إن قال : لا والله ، بلى والله ، فجمع بينهما ، كان الأول لغواً ؛ لأنها غير مقصوده وكانت الثانية منعقدة ، لأنها استدراك فصارت مقصودة ، فإن كانت اليمين بغير الله من طلاق وعتاق سبق بها لسانه لغواً من غير قصد ، ولا عقدٍ دين فيها فلم يؤاخذ بها في الباطن ، وكان مؤاخذاً بها في الظاهر ، بخلاف اليمين بالله في أنه لا يؤاخذ بلغوها في الظاهر ولا في الباطن ؟ لأن كفارة الحنث بالله من حقوقه المحضة ، فاستوى فيها حكم الظاهر والباطن والحنث في الطلاق والعتاق والحقوق المشتركة بين حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين ، فلم يؤاخذ بها في الباطن لاختصاصه بحقوق الله ، وكان مؤاخذاً بها في الظاهر لاختصاصه بحقوق الآدميين والله أعلم .