الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص284
ثم لا حكم لتلفظه في الاستثناء بمشيئة الله تعالى حين يقوله ناوياً به الاستثناء فإن لم ينوه وسيق في لسانه من غير قصد أو جرى به عادته أن يذكر مشيئة الله تعالى في سائر أحواله لم يكن استثناء .
ألا ترى أن عقد اليمين لا يصح إلا بالنية والقصد ، ويكون اللغو فيها عفواً ، كذلك استثناؤها ، وإذا ثبت اعتبار النية في الاستثناء نظر ، فإن قصد الاستثناء عند التلفظ بيمينه صح إذا تكلم به بعد يمينه ، وإن لم يقصد مع ابتداء اليمين وقصده مع التلفظ بالاستثناء ففي صحته وجهان :
أحدهما : يصح لوجود القصد فيه عند ذكره .
والوجه الثاني : لا يصح لإطلاق اليمين عند ذكرها ، ويجوز أن يتقدم الاستثناء على اليمين فيقول : إن شاء الله ، والله لا كلمت زيداً ، ويجوز أن يكون الاستثناء وسطاً ، فيقول : والله إن شاء الله ، لا كلمت زيداً ، لأنه يكون في الأحوال كلها متصلاً بكلامه الذي يعتبر حكم أوله بآخره ، وحكم آخره بأوله ، وسواء قال في استثنائه : إن شاء الله ، أو أراد الله ، أو إن أحب الله ، وإن اختار الله ، كل ذلك استثناء .
وكذلك لو قال : بمشيئة الله أو بإرادة الله أو باختيار الله ، فكله استثناء والله أعلم بالصواب ،
قال الماوردي : قال المزني : وصورة هذه المسألة أن يقول الحالف : والله لأدخلن هذه الدار اليوم إلا أن يشاء زيد فعين وقت دخوله في يومه فلا يبر بالدخول في غيره ، وجعل مشيئة زيد استثناء ليمينه ، فتعلق بمشيئة زيد أمران :
أحدهما : صفة مشيئته المشروطة .
والثاني : حكمها في الشرط ، فأما صفة مشيئته فهو أن يشاء أن لا يدخل الحالف الدار ، لأن الاستثناء ضد المستثنى منه ؛ لأنه من حكم الاستثناء إذا عاد إلى إثبات أن يكون نفياً ، وإذا عاد إلى نفي أن يكون إثباتاً ، فإن قال الحالف : أردت إلا أن يشاء زيد دخولي ، فلا التزم الدخول حملت المشيئة على إرادته ، لاحتمالها ، وإن خالفت حكم الاستثناء ، وأما حكم مشيئة زيد فهو مع اليمين بعد انعقادها ، فتكون مشيئة زيد رافعة لعقد يمين الحالف ؛ لأنه جعلها استثناء ، ولم يجعلها شرطاً ، والاستثناء ينفي الإثبات