الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص282
قال الماوردي : قد ذكرنا أن الاستثناء في الأيمان كلها مانع من انعقادها ، وهو جائز وليس بواجب ، وذهب بعض أهل الظاهر على وجوب الاستثناء بمشيئة الله تعالى ، احتجاجاً بقول الله تعالى : ( وَلاَ تَقُولَنَّ بِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلَكَ غَدَاً إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ ) ( الكهف : 23 – 24 ) .
والدليل على أنه مخير في الاستثناء أن رسول الله ( ص ) استثنى في يمينه تارة ، ولم يستثن فيها أخرى ، فقال : ‘ والله لأغزون قريشاً إن شاء الله ‘ ، وآلى من نسائه شهراً ، ولم يستثن .
وروى ابن عمر أن النبي ( ص ) ‘ كان يحلف بهذه اليمين ، لا ومقلب القلوب ‘ .
روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله ( ص ) كان إذا اجتهد في اليمين قال : ‘ والذي نفس أبي القاسم بيده ‘ .
ولأن الاستثناء سبب يتوصل به إلى حل اليمين فلم يجب كالحنث .
فأما الآية فواردة على طريق الإرشاد والتأديب ، أن لا يعزم على أمر إلا أن يقرنه بمشيئة الله تعالى في الأيمان ، وغيرها ليكون بالله مستعيناً وإليه مفوضاً .
إحداهما : أن الاستثناء يصح أبداً في طويل الزمان وقصيره .
والثانية : أنه يصح إلى حين ، والحين عنده سنة ولا يصح بعدها احتجاجاً بقول الله عز وجل : ( وَاذْكُر رَبَّكَ إذَا نَسِيْتَ ) ( الكهف : 24 ) أي : اذكر الاستثناء إذا نسيته فعم الأمر من غير تحديد .
وروى عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله ( ص ) قال : ‘ والله لأغزون قريشاً ، والله لأغزون قريشاً ، والله لأغزون قريشاً ، وسكت ثم قال : إن شاء الله ‘ فدل على جواز الاستثناء متصلاً أو منفصلاً .
والدليل على بطلان الاستثناء بعد انقطاعه قول الله تعالى : ( وَلاَ تَقُولَنَّ بِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلَكَ غَدَاً إلاَّ أنْ يَشَاءَ اللهُ ) فجعل الاستثناء على الفور دون التراخي ، وقال رسول الله ( ص ) : ‘ من خلف فقال : إن شاء الله فقد استثنى ‘ ، فذكر الاستثناء بحرف الفاء الموجبة للتعقيب والفور .