الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص276
قال الماوردي : اعلم أن حروف القسم ثلاثة : الواو وهي أصلها ، ثم الياء ، ثم التاء ، فأما الواو فقوله : والله ، وهو الحرف الصريح في القسم ، فإذا قال : والله كان حالفاً ، لا يرجع إلى إرادته في ظاهر ولا باطن ، ولا يلزمه حكم اليمين في حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين ، وأما التاء المعجمة من تحت . فقوله : بالله ، وفيها بعض الاحتمال ، لأنه مع غالب الأحوال في القسم يحتمل أن يريد : بالله أستعين وبالله أتق ، وبالله أومن ، فإن أراد به القسم ، أو قال مطلقاً كان يميناً في الظاهر والباطن في حقوق الله وحقوق الآدميين ، وإن لم يرد به القسم ، وأراد ما ذكرنا من احتماله دين في الباطن حملاً على ما نواه ، ولم تلزمه الكفارة ، وكان حالفاً في الظاهر ، اعتباراً بالغالب من حال الظاهر ، ولزمه حكم اليمين كما لو قال لزوجته أنت طالق ، وأراد من وثاق دين في الباطن وكان طلاقاً في الظاهر .
وأما التاء المعجمة من فوق ، فقوله : تالله ، فمنصوص الشافعي في الأيمان والإيلاء أنها يمين ، لأن الشرع قد ورد بها ، قال الله تعالى : ( وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أصْنَامَكُمْ ) ( الأنبياء : 57 ) . : ( قَالُواْ تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا ) ( يوسف : 91 ) . ونقل المزني عن الشافعي في القسامة : تالله ليست بيمين فاختلف أصحابنا في تخريج ما نقله في القسامة على وجهين :
أحدهما : أنه ليس بصحيح ، وقد وهم فيه وإنما قال الشافعي : ‘ بالله ليست بيمين ‘ ، بالباء معجمة من تحت ، وقد ذكر الشافعي في تعليله ما يدل على هذا ، فقال : لأنه دعاء ، فعلى هذا تكون تالله يميناً قولاً واحداً .
والوجه الثاني : أن نقل المزني صحيح ، لضبطه في نقله ، فعلى هذا اختلف أصحابنا مع صحة النقل في كيفية تخريجه على ثلاثة أوجه :
أحدهما : أنه تخريج قولٍ ثان ، فيكون على قولين لاختلاف النقل فيه .
أحدهما : وهو مذهب أبي حنيفة أن يكون يميناً في المواضع كلها من غير أن تعتبر فيه إرادة ؛ لأن عرف الشرع بها واردٌ ؛ ولأن التاء في القسم بدل من الواو ، فقامت مقامها في الحكم .
والقول الثاني : أنها ليست بيمين في المواضع كلها إلا أن يريديها يميناً ، فتصير بالإرادة يميناً لخروجها عن عرف الاستعمال والتباسها على أكثر الناس ، والأيمان مختصة بما كان في العرف مستعملاً ، وعند عامة الناس مشتهراً ، فهذا وجه :
والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي ، أنها تكون يميناً في خواص الناس الذين يعرفون أن التاء من حروف القسم ولا تكون في العامة الذين لا يعرفون