الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص225
مسألة قال الشافعي : ‘ ولا يجوز أن ينتصل رجلان وفي يدي أحدهما من النبل أكثر مما في يدي الآخر ‘ .
قال الماوردي : اختلف أصحابنا في تأويل هذه المسألة على ثلاثة أوجه :
أحدها : يريد أنه لا يجوز أن يتناضلا على أن يصيب أحدهما عشرة من عشرين ، ويصيب الآخر عشرة من ثلاثين ، فيكون رشق أحدهما أكثر من رشق الآخر ، ويكون معنى قوله : ‘ في يد أحدهما ‘ أي في حق أحدهما ، وإنما لم يجز التفاضل في عدد الرشق الذي يجب فيه التماثل ؛ لأنه إن نضل ، فللكثرة رميه لا بحسب صنعه .
والوجه الثاني : لا يتناضلا على أن يصيب أحدهما خمسة من عشرين ، ويصيب الآخر عشرة من عشرين ، فلا يجوز لما ذكرنا من التعليل بالتفاضل فيما يوجب التماثل وأنه إن نضله فلقلة إصابته لا بحسن صنيعه .
والوجه الثالث : أن من عادة حذاق الرماة إذا رموا أن يأخذوا في اليد اليمن بين الخنصر والسبابة سهماً أو سهمين معداً للرمي ، فأراد الشافعي بهذا أن لا يجوز أن يتناضلا على أن يكون في يد أحدهما إذا رمى سهم واحد وفي يد الآخر سهمان ؛ لأن كثرة السهام في اليد مؤثر في قلة الإصابة ؛ لأنه إن نضل فلقلة المانع من إصابته لا بحسن صنيعه ، ويكون المراد باليد الكف ذات الأصابع .
قال الماوردي : وهذا صحيح ؛ لأن عقد النضال يوجب التساوي ، فإذا رفع فيه التفاضل بأن يكون خاسق أحدهما خاسقين ، وخاسق الآخر خاسقاً واحداً بطل به العقد لدخول التفاضل فيه ، وأنه نضل فلمضاعفة خواسقه لا بحسن صنيعه .
ولو شرطا في القرع أن يكون خاسق كل واحدٍ منهما قارعين جاز ؛ لأنهما قد تساويا في مضاعفة خواسقهما .
قال الماوردي : وهذا كما قال ؛ لأن من احتسب له بخاسق لم يصبه يصير مفضلاً به على صاحبه ؛ فإن نضل ، فلتفضيله لا بحسن صنيعه ، ومن أسقط له خاسق قد أصابه يصير به مفضولاً إن نضل فلحط إصابته لا لسوء صنيعه ، فيكون العقد باطلاً على الأمرين ؛ لعدم التساوي بين المتفاضلين .