الحاوی الکبیر فی فقه مذهب الامام الشافعی و هو شرح مختصر المزنی-ج15-ص223
قال الماوردي : قد ذكرنا أنه إذا اعترض بين السهم والهدف حائل من بهيمة أو إنسان ، فإن امتنع به السهم من الوصول إلى الهدف لم يحتسب في صواب ولا خطأ ، وإن نفذ في الحائل حتى مرق منه ، وأصاب الهدف كان مصيباً ، ولو نقض الحائل السهم حتى عدل بالنقص إلى الهدف لم يحتسب به مصيباً ولا مخطئاً ؛ لأنه بالنقض أصاب لا بالرمي كمن رمى الجمرة بحصاة فوقعت على إنسان ، فنقضها حتى وقعت في الجمرة لم يحتسب بها ، ولو أصاب السهم الحائل ثم اندفع بحمومته ، فأصاب فهذا مزدلف ، وفي الاحتساب به في الإصابة قولان .
قال الماوردي : أنواع القسي تختلف باختلاف أنواع الناس ، فللعرب قسي ، وسهام وللعجم قسي وسهام ، وقيل إن أول ما صنع القسي العربية إبراهيم الخليل صلوات الله عليه وأول من صنع القسي الفارسية النمروذ بن كنعان ، وكان النبي ( ص ) يحب القوس العربية ، ويأمر بها ، ويكره القوس الفارسية ، وينهي عنها ، ورأى رجلاً يحمل قوساً فارسية فقال : ‘ ملعون حاملها ، عليكم بالقسي العربية وسهامها فإنه سيفتح عليكم بها ‘ وليس هذا منه محمولاً على الحظر المانع ، وفي تأويله ثلاثة أوجه :
أحدها : ليحفظ به آثار العرب ، ولا يعدل الناس عنها رغبة في غيره فعلى هذا يكون الندب إلى تفضيل القوس العربية باقياً .
والوجه الثاني : أنه أمر بها لتكون شعار المسلمين حتى لا يتشبهوا بأهل الحرب من المشركين ، فيقتلوا ، فعلى هذا يكون الندب إلى تفضيلها مرتفعاً ؛ لأنها قد فشت في عامة المسلمين .
والثالث : ما قاله عطاء أنه لعن من قاتل المسلمين بها ، فعلى هذا لا يكون ذلك ندباً إلى تفضيل العربية عليها ، ويكون نهياً عن قتال المسلمين بها وبغيرها ، وخصها باللعن ، لأنها كانت أنكأ في المسلمين من غيرها ، وقد رضي عنها الصحابة والتابعون في قتال المشركين ، وإن كان الاقتداء برسول الله ( ص ) في قوسه لمن قوي رميه عنها أحب إلينا ، فإن كان بالفارسية أرمى كانت به أولى ، ويكون الندب منها إلى ما هو به